السبت، مايو 22، 2010

خطبة تعاطي المخدرات

تعاطي المخدرات 9/4/1431هـ
الحمد لله أحل الطيبات وحرم الخبائث المضرة بالأبدان والعقول، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فلا لأوليته إبتداء ولا لأخرويته إنتهاء ولا لصمديته افول، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وخاتم أنبيائه ورسله، فلا نبي بعده ولا رسول، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد. وعلى آله وأصحابه الذين حفظوا عنه أحكام الشريعة في الفروع والأصول،. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً .
أيها المسلمون. إن الله تعالى له الحمد والمنة لم يدع طيبا نافعا للأرواح والأبدان والعقول إلا أحله، ولا خبيثا ضارا بها إلا حرمه، فكان واجب على كل مسلم- أن يقف عندما أحل الله تعالى ولا يتعداه إلى ما حرم، ولكن يوجد فئات من الناس أغوتهم الشياطين من الجن والإنس. وأضلتهم الأهواء وغلبتهم أنفسهم الأمارة بالسوء فارتكبوا الذنوب وانتهكوا المحارم وتعدوا حدود الله فشرب الخمور وتعاطو المخدرات الهادمة للصحة والمحللة للبنية، الحشيشة والأفيون والكوكايين ومشتقاتها من الخبائث فأوقع الله عليهم من العقوبات والأمراض البدنية والنفسية المتنوعة ما يؤلمهما يضعف أجسامهم ويسلب عقولهم ويبدد أموالهم. وربما استل أرواحهم وهم في حالة سكرهم فيفقدون الحياة التي هي أعز الأشياء عندهم.
عباد الله .. رجل كبير، قارب الخمسين سنة، أدمن المخدرات وفصل من عمله بسبب الإدمان، تحطمت حياته، ومرضت نفسه، ووقع الطلاق بينه وبين زوجته، مع وجود سبعة من الأبناء والبنات .. وفي لحظة شيطانية، يدخل الرجل على مطلقته وبناته، وهو في حالة هيجان، فيقتل الزوجة بالمسدس، ثم يلحق بها بناتِها، بل بناتِه هو الثلاث، الواحدة تلو الأخرى، الأولى في الثالثة عشرة من عمرها، والثانية في الخامسة عشرة، والثالثة في الثامنة عشرة، وتصاب الرابعة ذات الأربع والعشرين بشظايا من العيار الناري في صدرها لترقد في العناية المركزة.
وعلى يد من؟ على يد والدهم ، إنا لله وإنا إليه راجعون .
اللهم اجبر مصاب هذه الأسرة، واغفر للفقيدات، وأسكنهن غرفات الجنات، وأبدلهن عن شبابهن نعيماً وسروراً في جوارك يا رب العالمين .
عباد الله .. كفى بهذه الحادثة واعظاً للنفوس، كفى بهذه الفاجعة شاهداً على قبح المسكرات والمخدرات، وأنها تقتل كل المعاني الجميلة في حياتنا .
المسكرات أوالمخدرات .. كلمة قليلة الحروف ، قاتلة المعاني .. وسلاح خطير، بيد فاقدي الضمير .. تفتك بالعقول والأجساد والأموال، وتدمر الأسر و المجتمعات .
وإذا كانت النصوص من الكتاب والسنة قد تظافرت على تحريم الخمر استعمالاً وبيعاً وشراءً وغيرذلك، فقد أجمع العلماء على إلحاق المخدرات بالخمر في التحريم .
قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).
وإذا كان العاقل يدرك تماماً أضرار هذه الآفة، فلا بأس أن نذكر ببعضها:
فمنها: الأضرار الدينية: فهي تصد عن ذكر الله وعبادته، وتضعف الإيمان، وتقتل الحياء من الله، وصاحبها ملعون مطرود عن رحمة الله .
هذا في الدنيا، أما في الآخرة فإن متعاطيها متوعد بالعقوبات الشديدة .
روى مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل مسكر حرام ، إن على الله عز وجل عهداً لِمن يشرب المسكر أن يَسقيه من طينة الخبال . قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو عصارة أهل النار".
ومنها: الأضرار الصحية، الخطيرة على أجهزة الجسم المختلفة كالجهاز العصبي والدوري والهضمي والتناسلي والجلد والعظام و الأسنان وغيرها .
ومنها: الأضرار الاجتماعية من انهيار الأسرة ، وانحراف أفرادها، وكثرة حالات الطلاق، وقوع العداوة والبغضاء، وانطفاء نار الغيرة على العرض في قلب المدمن : بل إنه قد يلجأ والعياذ بالله إلى المتاجرة بعرضه للحصول على المخدر.
ومنها: الأضرار الأمنية من وقوع الجرائم و انتشارها ، ووقوع الحوادث المرورية .
ومنها: الأضرار الاقتصادية سواء على دخل المتعاطي وحالة أسرته المادية ، أو على اقتصاد الدول في مكافحة المخدرات ، ومستشفيات الإدمان، و السجون.
عباد الله .. وإذا كانت هذه أضرار المخدرات فإننا نتساءل، كيف يجرؤ العاقل أن يتعاطى هذه السموم؟ وما أسباب هذه الظاهرة؟ :
- من أهم الأسباب: ضعف الإيمان : ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة المتفق عليه:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) .
إن أقواماً ضَعُف إيمانُهم .. ونَسُوا ربَّهم .. وهجروا مساجدَهم ، هم أقربُ الناس إلى طريق المخدرات .
- ومن الأسباب المهمة : ضعف التربية الأسرية : بإهمال الوالدين تربيةَ أولادهم . أو القسوة والكبت والحرمان، أو التفرقةِ وعدمِ العدل بين الأولاد .
وقل مثل ذلك في الدلالُ المفرط، وضعفُ جانب المنع والوقاية في الأسرة.
ومن مظاهر ضعف التربية : القدوة السيئة .. وذلك بأن يقع أحدُ الوالدين في تعاطي المخدرات .
ومن مظاهر ضعف التربية: التفكك الأسري وكثرة الخلافات بين الزوجين، وقل مثل ذلك في طول غياب الوالدين عن المنزل، فالوالد مشغول بعمله أوتجارته أو جلساته وسهراته.. والوالدة مشغولة بعملها أو زياراتها لصديقاتها .
- ومن الأسباب: رفقة السوء .. مفاتيح الشرور .. وأعوان الشياطين .. الذين ربما يلتقي بهم الشاب في المدرسة أو الحي، أو النوادي و الحدائق والأماكن العامة .
- ومن الأسباب: وسائل الإعلام، ولا سيما ما يعرض في بعض القنوات الفاسدة من مشاهد شرب الخمور وتعاطي المخدرات، مما يغري الشباب بل والفتيات بشربها .. وفي بحث أجري على بعض المدمنات في مستشفى الأمل بالرياض، ذكرت غير واحدة منهن أنها كانت تتأثر عندما تشاهد الرجال والنساء في الأفلام الأمريكية والغربية يشربون الخمر في جلسات وسهرات مغرية، مما دفعها للتجربة .
- ومن الأسباب : السفر إلى الخارج ، ففي دراسة على متعاطي المخدرات في السعودية والبحرين والكويت تبين أن52% من متعاطي المخدرات في هذه البلاد سبق لهم السفر إلى الخارج، إنهم يسافرون عبر بوابات المطار .. ويعودون عبر بوابات الوهم والإدمان .
نسأل الله تعالى أن يقينا وأسرنا من هذا البلاء الخطير، والشر المستطير، إنه على كل شيء قدير .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون؛ واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه، كتب الفلاح لمن اتبعه وسار على نهجه، ففاز في الحال والمآل، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، فبتقوى الله تزكو الأعمال، وتنال الدرجات، وارغبوا فيما عنده، فبيده الخير وهو على كل شيء قدير، اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء.
عباد الله .. ويبقى السؤال الهام، ما هو العلاج ؟
ولعلي أذكر بإيجاز بعض النقاط في الوقاية والعلاج .
1) لا بد من الاهتمام بالعلاج الإيماني : فإن الإيمان هو الحل لكثير من مشاكل الشباب والأمة .
الإيمان الذي جعل الصحابة مدمني الخمر في الجاهلية يريقونها حتى جرت بها شوارع المدينة .. وهم يقولون انتهينا انتهينا .
2) رسالة إلى الآباء والمربين بضرورة الاهتمام بالتربية وإصلاح النشء،وكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.
وكم والله أحزن وأتألم، عندما يشكو لي بعض الشباب انحراف آباءهم، وربما يصلي بعضهم معنا في المسجد وقد اسود وجهه، ونكّس رأسه، ثم يقول: عندنا مدمن في البيت، فيقال له: من هو؟ فيقول: أبي هو المدمن!! .
فإلى هؤلاء الشباب أقول: إن فساد الأب أو المربي لا يبرر فساد المتربي ، فاصبر لربك، واثبت على دينك .
3) الرفقة الرفقة.. تذكر أخي الشاب.. أن طبقة الأقران .. أهم مصادر التلقي والاقتداء عند الإنسان . فقل لي من تصاحب .. أقل لك من أنت .. وأصدق من هذا قوله عليه الصلاة والسلام " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " أخرجه الترمذي و حسنه الألباني .
4) ومن العلاج كذلك: احتواء أوقات الشباب .. وملئها بالنشاطات المفيدة والنافعة، والاستفادة من حلقات تحفيظ القرآن .. والمراكز الصيفية .. والمخيمات الشبابية وغيرها .
وفي الختام، أقول لمن وقع في الإدمان فنصيحتي له أقلع أقلع واهجر الإدمان الذي سيدمرك ويدمر حياتك الجسمية والمالية والعقلية والأسرية شئت أم أبيت والأيام شاهدة على ذلك الا من تاب وأقلع وأفاق وأدرك عظم المصيبة فإنه قد نجى ...
وهذه سبع خطوات سريعة لعلها تكون طوق نجاة لمن وقع في الإدمان:
1. لا بد من معرفة السبب والدافع لتعاطي المخدرات ، وعلاج هذا السبب: من مشاكل نفسية، أوعائلية، أو رفقة سيئة، أو فراغ، ... الخ .
2. يمكن الاستعانة بمستشفى الأمل، سواء بالتنويم في المستشفى ، أو عن طريق العيادات الخارجية .
3. يحتاج المدمن إلى جرعة إيمانية قوية ، وإنعاش للقلب، وملازمة أهل الخير ومجالسهم .
4. توكل على الله واستعن بالله، وأكثر من الدعاء والالتجاء إلى الله .
5. استعن بعائلتك وأصدقائك المخلصين، واطلب منهم الدعم والتشجيع .
6. إذا فشلت في الإقلاع فلا تيأس، فحاول الإقلاع مرات عديدة حتى يكتب الله لك النجاة منها.
7. الصبر، ضع في حسابك أنك ربما ستتعرض لأعراض انسحابية بسبب فقد الجسم للمادة، فعليك بالصبر، وكلها أيام ويتعود جسمك بإذن الله .
8. ليس بالضرورة أن يكون العلاج برضى المريض ، بل يمكن أن يجبر عليه لمصلحته، وهذا الأمر فيه نظام علاجي سري مطبق الآن، يمكن أن تستفيد منه الأسر بالتنسيق مع إدارات مكافحة المخدرات.
9. وأخيراً ، أقول لكل مدمن بادر قبل فوات الأوان، هل تنتظر يا أخي أن ينزل بك ملك الموت وأنت سكران، أو تفارق الدنيا وبيدك سجارة الحشيش فتلقى الله بها .. هل تنتظر وأنت تبيع عقلك أن تنسلخ من إيمانك، أو تقتل نفسك أو أحبابك .
هل تأملت الحادثة التي ذكرتها في أول الخطبة، رجل يقتل بناته الثلاث وأمهم في لحظة واحدة، بأي ذنب قتلوا؟ .. ماذا لو كنت أنت القاتل؟ إنها خطوات أولها حبة أو شربة أو سجارة ، وآخرها مآسي وفواجع في الدنيا والآخرة .. كيف لا تحركك هذه الحادثة وتفجر في قلبك بركاناً من الغضب والبغض، للمسكرات والمخدرات، ولكل من يتعاطاها ويروجها، فتبادر للتوبة منها .
ألا فلنتق الله جميعاً ، ولنبادر بالتوبة، وليقدم كل منا ما بوسعه أمام هذا الخطر العظيم الذي يهدد بيوتنا وأسرنا، نسأل الله السلامة والعافية .
هذا وصلّوا - رحمكم الله - على من بعثه الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فقد أمركم الله بذلك، فقال عز من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد  وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين.
اللهم أعز الإِسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق