السبت، مايو 22، 2010

خطبة في التوبة والإستغفار

أما بعد:
يقول الله جل شأنه وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ [الذاريات:56-58].
فالإنسان مخلوق لعبادة الله جل شأنه، وأصله وأساسه قائم على إقامة هذه العبادة، وسِرُّ حياته هي هذه العبادة التي خلقه الله من أجلها .
هذه العبادة لأجل صلاح العباد، والله جل شأنه غني عن خلقه وعن عبادتهم، إن أطاعوه لم يزد ذلك في ملكه شيئاً، وإن عصوه لم ينقص ذلك من ملكه شيئاً .
عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً)) صحيح مسلم (4/1994).
اعلموا أيها المسلمون أن الإنسان وظيفته عبادة الله، وهو خلق لأجلها، فما عمل من خير فلنفسه وأداء ما وجب عليه، وما فعل من المعاصي فهو خلل في وظيفته، وضرره يعود عليه فالذنوب مهما كثرت فلا تضر الله جل شأنه، كما أن الطاعات لا تنفعه.
هل نعلم أيها المسلمون: أن الذنوب أقذار، سماها الرسول صلى الله عليه وسلم قاذورات ففي موطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله....))، وإن كنا لا نرى هذا القذر، وإن كنا لا نشم تلك الرائحة، لكننا يا عباد الله نرى أثر تلك الذنوب على القلوب، تتوالى الذنوب على القلوب فتغطيها, يقول الله تعالى: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [المطففين:14], ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب منها صقل قلبه, وإن زاد زادت)) رواه الترمذي.
هذه الذنوب التي تتجمع على القلوب دون أن يتبعها توبة أو استغفاراً تتراكم حتى تصبح حجاباً شديداً يغطي القلب.
أيها المسلمون، إذا اجتمع على الثوب كثرة الأقذار وقلة الغسيل. فماذا سيكون؟ إن القلوب مثل ذلك، ذنوب تتراكم وقلة استغفار وقلة توبة. فما حال ذاك القلب؟
أيها المسلمون، إننا نذنب بالليل والنهار وربما مرت أيام لا يرفع بعض منا يديه يستغفر ويتوب إلى الله ويسأله المغفرة عما وقع من ذنب ومعصية. فماذا يُنتظر من تلك القلوب؟

إن النقاء والنظافة الحقيقة هي نظافة القلب ونقاؤه، وما قيمة نظافة الثياب! والقلوب محملة بأقذار الذنوب والمعاصي؟
كم من شخص ثيابه نظيفة، وقلبه قذر كل القذارة، منتن من كثرة الذنوب والمعاصي. قلبه قذر بالذنوب، قذر بالمعاصي، كل يوم يزداد قذارة، بارتكاب المعاصي وبالغفلة عن التوبة والاستغفار، ما قيمته عند نفسه وما قيمته عند الناس لو كشفوا حقيقته؟ وما قيمته عند ربه يوم القيامة, يوم تبلى السرائر, وينكشف ما في القلوب، ولا يخفى على الله منهم خافية؟
أيها المسلمون, إن الناس كلهم يذنبون، ولكن الفارق بينهم أن هناك من يبادر إلى ذنبه فيزيله ويطهر قلبه بالتوبة والاستغفار، وهناك من هو غافل عن ذنوبه تتراكم على قلبه.
يا عباد الله, باب الاستغفار مفتوح لننقي قلوبنا من أقذار تلك الذنوب التي تتابع علينا كل يوم، يا عباد الله نحن مدعوون من رب كريم إلى التوبة والاستغفار لنجلي تلك القلوب من أثقالها المعنوية التي حالت بيننا وبين طمأنينة نفوسنا وأرواحنا قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر:53].
نحن مدعون من رب رحيم، أن نستغفره ونتوب إليه وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء:110]. وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيّئَـٰتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25], والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, حتى تطلع الشمس من مغربها)) رواه مسلم، فما موقفك من هذا الوعد الكريم .
هل سألت نفسك أيها المسلم هل أنت تستغفر من الذنوب؛ أم أننا نرتكب الذنب وننساه وننسى أثره، ويبقى ريناً وغطاء على قلوبنا.
أليس لنا يا عباد الله بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه: ((يا أيها الناس, توبوا إلى الله واستغفروه, فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة)) رواه مسلم.
هذه هي الصيانة المستمرة للقلب، هذه هي المراقبة المتواصلة لهذا القلب، كي لا يبقى عليه رين، هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة، فماذا تكون حالنا نحن الذين نخوض في الذنوب صباحاً ومساءً .
أيها المسلمون, ما أحوج هذه القلوب إلى غسلها وتنقيتها بالتوبة والاستغفار لتعود إلى نقاوتها وفطرتها، إنا نشكو إلى الله قسوة في قلوبنا، وغروراً في أحوالنا، وغفلة عن مآلنا ومصيرنا، وكل هذا من هذه القلوب المغطاة بالذنوب والمعاصي.
المشكلة تبدأ في ارتكاب الذنوب ثم عدم التوبة والاستغفار، أيها المسلم انتبه لقلبك, لسلامة قلبك ابتعد عن المعصية, أيها المسلم لسلامة قلبك أسرع إلى التوبة والاستغفار كي يبقى قلبك نقيا نظيفا. إن للنظافة أثراً على النفس يمنحها الراحة والطمأنينة. ألست تشعر بانشراح لنظافة ثوبك أو نظافة ثوب زميلك، فانشراح الصدر بنظافة القلب أقرب وأولى. أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد:28]؛ فأكثروا يا عباد الله من ذكر الله طهرة لقلوبكم من ما يصيبها من أقذار الذنوب.
أقول ما قد سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، أحمده - سبحانه - على هدايته وتوفيقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا رب لنا سواه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.

عباد الله ما أهون الخلق على الله، يوم أن ينتقم منهم، فسبحانه يمهل ولا يهمل.
عباد الله أجزم أن الكثير منا وصله خبر الزلزال الذي ضرب جزر هاييتي يوم الثلاثاء الماضي الذي كانت قوته سبع درجات مما تسبب في قلب عاليها سافلها وأصبح الناس في ذعر شديد وعويل وصراخ وخوف وهلع واضطراب، حتى أنك تشاهد الجثث في الطرقات، والمصابين مصفوفين على الأرصفة، وتسمع الأنين من تحت الأنقاض طالبي الإنقاذ، حتى أصبح الناجين مسعفين لكثرة المصابين والمتوفين والمشردين. كل ذلك حصل في لحظة واحدة.
حصل ذلك الزلزال في ثوان معدودة وكان حصيلة الوفيات ما يقرب من خمسين ألف وعدد المشردين الثلاثة ملايين تقريبا وما خفي أعظم.
ولا ننسى الخسائر المادية والنفسية.
عباد الله ألا يجدر بنا أن نقف وقفة تأمل وقفة محاسبة مع أنفسنا ونعتبر ونتعظ ونتصور لو كان حالنا كحالهم ومصابنا مصابهم والعياذ بالله، لذا علينا أن نتعظ بهم ونعود إلى الله ونسأله الأمن والإيمان والسلامة والإسلام والطمئنينة في الوطان.
وعلينا يا عباد الله كما ذكرنا في الخطبة الأولى كثر التوبة والإستغفار حيث قال الله عز وجل ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ).

عباد الله: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، فقد أمركم الله بذلك، فقال عز من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد  وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين.
اللهم أعز الإِسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم عليك بمن يريد زعزعة أمننا ومن والاهم اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق