السبت، مايو 22، 2010

خطبة عن خصال المنافقين والحذر منها

بسم الله الرحمن الرحيم
خصال النفاق والحذر منها 3/4/1431هـ
إن الحمد لله ....
عباد الله عليكم اتقوا الله وراقبوه وأخلصوا العبادة له وحده دون ما سواه تفلحوا.
عباد الله : لا شك أن الله مدنا بدين عظيم هذبنا فيه ورسم لنا عن طريقه أرفع الأوسمة في الأخلاق وحسن المعاملة مع الناس كافة، ولكن مع الأسف تجد من بعض المنسوبين على المسلمين أنه بلا إسلام.
نعم إسلام بالهوية إسلام بالاسم إسلام بلا معاملة تدل على أنه مسلم، الم يقل صلى الله عليه وسلم (الدين المعاملة) فدينك يظهر من التعامل مع الناس.
دين الله دعانا لأن نسأله سبحانه وتعالى لأحسن الأخلاق والأعمال لأنه لا يهدي لأحسنها إلا هو ودعانا لأن نسأله أن يصرف عنّ سيئ الأخلاق والأعمال لأنه لا يصرف عنّ سيئيها إلا هو.
يا معشر المسلمين لنحاسب أنفسنا في تعاملنا مع بعضنا، فالخطاب هنا لكل مسلم يريد ما عند الله والدار الآخرة، فيا أيها العالم ويا أيها الطبيب والممرض والموظف أياً كنت صغيراً أوكبيراً ويا أيها المقاول ويا أيها العامل يا أيها السباك والكهربائي والنجار والحداد وصاحب المصنع وأصحاب الناقلات وسائقي المعدات الخفيفة والثقيلة وأصحاب المحلات التجارية وأصحاب الورش والعاملين فيها وأهل الصناعات وما فيها يا مسلم يا عبد الله هل أنت في تعاملك مع المسلمين مع الناس أجمع على طريقة صحيحة سليمة، أم أن تعاملك فيه من الغدر والخيانة والكذب واتخاذ الحيل والمكر والخديعة وأخذ الرشوة ومحاولة إفساد العمل والمماطلة وتأخير العمل وإبرام العقود تلو العقود ومن ثم يتضرر المسلمون من جراء تأخيرك لتنفيذ ما في العقد وعدم تنفيذ العقود والله يناديك ويطلب منك في قوله تعالى{ يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ثم حذاري حذاري من أن توصف بخصلة من خصال النفاق فتهلك وتحشر مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار. ألا تعلم أن الخيانة من النفاق ألا تعلم أن الكذب من النفاق ألا تعلم أن الغدر من النفاق ألا تعلم أن الفجور في الخصومة من النفاق.
قال : ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)).
النفاق مرض خطير يمرض القلب ويقتله، ويفسد الدين ويهلكه، ولخطر النفاق والمنافقين على البلاد والعباد أنزلت سورة كاملة اسمها المنافقون، تبيّن عوارهم، وتهتك أستارهم. واهتمّ رسولنا بتفسير القرآن وتبيانه، فكان بين الفينة والأخرى يرسم للمجتمع النهج المستقيم، ويحذرهم من الاعوجاج في الدنيا والدين، وفي هذا الحديث بيّن رسولنا علامات وأعراض مرض النفاق.
((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا))، أربع من اجتمعت فيه كان كمن يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ويجهر بالخير وهو يضمر الشر، ((إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر))، وإذا عاهد نقض عهوده ولم يوف بها، ((وإذا خاصم فجر))، وإذا خاصم غيره تجاوز الحد، فيؤذي خصمه بغير حق.
إن خيانة الأمانة خصلة من هذه الخصال، وهي تشمل كل مال مؤتمن عليه الإنسان فلم يؤده لأصحابه، ومن الأمانة أن تؤدّي عملك كاملاً، وإذا استودعك صديقك سرًا فليس من الأمانة أن تذيعه بين الناس، وليس من الأمانة إن كنت طبيبًا أن لا تخلص في علاج مريضك، فالموظّف والمنتج والبائع والمزارع والطبيب والمهندس وجميع الناس عليهم أداء حقّ العباد كاملاً بعيدًا عن الرشوة والتعذيب، حيث تعطل مصالح الناس بدون سبب، ورسولنا يقول: ((إن الله يعذب الذين يعذبون الناس)).
فيا أيها المسؤول والموظف، ويا أيها الضابط والأمين، إن الله استرعاكم مصالح الناس، فلا تعطلوا مصالحهم ليلجؤوا إلى الرشاوى والتزوير، فتكونوا أنتم السبب، ويحل عليكم غضب الله وعذابه، إن الله يعذب الذين يعذبون الناس، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].
يا أيها الذين آمنوا، لا تخونوا الله، لا تخونوا الله بتعطيل فرائضه وتعدّي حدوده وانتهاك محارمه. يا أيها الذين آمنوا، لا تخونوا الله والرسول، لا تخونوا الرسول بترك سنته والذهاب لغيرها من هوى وشهوة، وتخونوا أماناتكم، وتخونوا أولياء أموركم، ويخون بعضكم بعضًا في المعاملات المالية والاجتماعية والأدبية.
إن الرسول أوتي جوامع الكلم، ويتكلم باللفظ الذي يذهل العقول ويحيّر البلغاء والخطباء، فقوله : ((إذا اؤتمن خان)) شمول وتوسيع كبير جدًا، ليشمل جميع أنواع الأمانة، كانت هذه الأمانة معنوية أو مادية.
إن عدم الأمانة هو الخيانة، والخيانة تدل على النفاق، فمن أراد أن يفتش عن طهارة قلبه من النفاق فلينظر إلى أمانته وعدمها، وصدق رسولنا الكريم إذ يقول: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)).
إن العلاقات بين الأفراد والجماعات المبنية على الخيانة لعلاقات هشة زائلة، وكان يتعوذ من الخيانة فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة))، وبيّن أنه في آخر الزمان ترفع الأمانة، فحدث عن رفع الأمانة فقال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)).
المنافق إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، فمجانبة الكذب مجانبة للنفاق، والكذب من أمراض اللسان، وهو نقل الأخبار على غير حقيقتها، من إشاعات وأحاديث ملفقة تفتك بالمجتمع وأفراده.
ومن أخطر أنواع الكذب ما استحل به دم امرئ مسلم أو عرضه أو ماله، والأشد من ذلك كله الكذب على الله ورسوله، ويكفي في عظم هذه الكبيرة أن سمى الله مرتكبها بالفسق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، ولقد حذر رسولنا من الكذب ورغّب في الصدق فقال: ((عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقًا. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذّابًا)).
إن الكذاب عرّض نفسه للاحتقار والمهانة، وفقد جانبًا عظيمًا من مقومات إنسانيته، فلو كان شجاعًا لما أخفى الحقيقة، ولو كان أمينًا لما زوّر الأخبار، ولو كان عفيفًا لترفع عن الاختلاق والادعاء الباطل، فأي معاملة تصلح؟! بل أي حياة وصداقة وشركة وإخاء تصلح مع إنسان يبرئ المفسدين والمجرمين، ويتهم الأبرياء والصالحين، ويجعل من الظالم مظلومًا، ومن الحقيقة خيالاً، ومن الصدق بهتانًا؟! إن هذا الخطر العظيم هو الذي جعل الكذاب ينظم في صفوف المنافقين، ((وإذا حدث كذب)).
المنافق إذا عاهد غدر، إذا أعطى عهدًا نقضه وغدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدث بينه وبين خصمه خلاف يتجاوز حده في الانتصار لنفسه من خصمه، ولا يتورع عن استغلال الفرص لإيذاء خصمه، ويتمادى في الإيذاء، وينكر حقوق خصمه، ويستحل لنفسه ماله، ويستبيح عرضه، وهذا التمادي في الخصومة علامة ظاهرة من علامات النفاق.
إن سلوك المؤمن الحق جهة خصمه العدل أو الإحسان، وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40]، ولقد ربى الإسلام أتباعه على التسامح والعفو، وأن لا يتمادوا في الخصومة، فقال جل جلاله: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وقال: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، وقال: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55].
عباد الله أقول ما قد سمعتم و..............



الخطبة الثانية
الحمد لله أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد... فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أقدامكم على النار لا تقوى.
إن الإسلام يحث على السمو بالنفس الإنسانية، فالمسلم الحق هو الذي يسمو بنفسه عن مواطن المهانة والذلة. إن الإسلام عمل وعبادة وحسن معاملة، معاملة خالية من الكذب والخيانة والغدر والفجور.
إن التدين الحقيقي هو أن تلتزم بالصدق في قولك وعملك ومواعيدك، وأن تكون أمينًا في عملك، صادقًا مخلصًا في نيتك، فإن لم تكن فيك هذه الخصال فلست متدينًا ولو تظاهرت بمظهر الإسلام في ألفاظك ولباسك.
إن الإسلام لم يكن فقط حركات يباشرها المصلي في محرابه أو همهمة تلوكها ألسن العاشقين والذاكرين، إنه مسرح للحياة، يظهر فيه المسلم حقيقة إسلامه وإيمانه في معاملته مع الآخرين؛ لتنطبع الصورة الصحيحة للإسلام بعيدًا عن الغلو والتنطع، وبعيدًا عن الإباحية والتهتك.
إن فشلك في معاملة الآخرين دليل منك عليك في عجزك عن إدراك حقيقة الإسلام، فالدين المعاملة، والإسلام يريد منك هداية تائه ضلّ به طريقه، أو معونة يائس انقطع به أمله، الإسلام يريد منك استجابة؛ لأنّة ثاكل منكوب، يشكو الفقر والحاجة، ويريد المساعدة والإعانة ومواساة البائس وتفريج كربة المكروبين.
وما انكمش الإسلام وتقلص إلا بعد أن ترك أبناؤه أوامره وتعاليمه، لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177].
هذا وصلّوا - رحمكم الله - على من بعثه الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فقد أمركم الله بذلك، فقال عز من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد  وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين.
اللهم أعز الإِسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق