الأحد، مايو 23، 2010

خطبة اخواننا في غزة

وبعد:
تمر أمة الإسلام هذه الأيام بمرحلة حرجة وتجتاز منعطفاً خطيراً يمثل تهديداً لوجودها المادي والمعنوي بين أمم الأرض وبين شعوب العالم، ولابد للأمة أن تثبت وجودها، لابد للأمة أن تتدارك حالها وتعدل من وضعها حتى لا يكون ما تمر به في هذه الأيام سُبّة في جبين كل من ينتمي إليها، وحتى لا يستحي الإنسان من الإعلان على أنه مسلم أو عربي، ولن يكون تدارك حال الأمة إلا بالرجوع إلى خالقها ومولاها لطلب العون والنصر والتأييد منه، فلا ملجأ إلا إلى الله ولا ملاذ إلا إلى الله ولا مهرب إلا إلى الله وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ [آل عمران:126].
إن الأمة ـ عباد الله ـ أهينت ومرغت سمعتها في التراب وتفرج القاصي والداني على اليهود، أحفاد القردة والخنازير وهم يقتلون الشيوخ والنساء والأطفال في فلسطين بدم بارد، ويهدمون المباني فوق رؤوس أصحابها ويدمرون المؤسسات والمساجد، دون أن ينتفض مسلم ليرفع هذا الظلم ويغسل هذا العار، بكى الأطفال وذهل الشيوخ واستنجدت الحرائر الطاهرات وهن يواجهن صلف ورعونة وفحش الصهاينة، ولكن لا مجيب، فماذا عسانا نقول ومن عسانا ننادي....
أمتي هل لـك بيــن الأمـم منبـر للســيف أو للقلـم
أتلقـاك وطرفـي مطــرق خجلا من أمسـك المنصـرم
أمتـي كــم غصـة داميـة خنقت نجوى عـلاك في فمي
أي جـرح فـي إبائي راعف فاتـه الآسـي فلـم يلـتئـم
آل إسـرائيـل تعلو رايــة في حمى المهد وظل الحرم؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعـي القـادة في أهوائهـا تتفـانى في خسـيس المغنـم
لا يـلام الذئب في عدواـنه إن يك الراعي عـدو الغنـم
رب وامعتصمـاه انطلقـت مـلء أفـواه البنـات اليتـم
لامست أسـماعهم لكنهــا لـم تـلامس نخوة المعتصم
لم يعجز المسلمون عن مساعدة إخوانهم ولم يعجزوا عن منازلة عدوهم بسبب الضعف المادي، وإن كانوا ضعفاء مادياً، إنما عجزوا بسبب ضعف الإيمان أو غيابه، فالمسلم إنما يستمد قوته من إيمانه بالله سبحانه، فإذا آمن بالله ثبته الله وسدده ووفقه، وأنزل الرعب في قلوب أعدائه، فاندحروا وإن كانوا أكثر عدة وعدداً، ولنا في تاريخ رسول الله وأصحابه والمسلمين الصادقين من بعده خير دليل على هذا.
فضعف إيماننا وإيثارنا للملذات والشهوات وحبنا للدنيا هو مكمن دائنا، وهذا ما أشار إليه رسول الله حين قال في الحديث النبوي الذي رواه أبو داود عن ثوبان والذي يعد من معالم النبوة ومن دلائل صدقه لأنه يخبر عن أمر لم يحضره رسول الله ، أمر يقع في المستقبل، يقع لنا إن نحن آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة، وهذا ما يحصل الآن يقول في هذا الحديث: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)).
وهاهو الوهن في أوضح صوره، يعيشه المسلمون، وهاهي الأكلة من كل اتجاه تتداعى علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وها نحن غثاء يحمله السيل هنا وهناك كما وصفنا رسول الله ((غثاء)) لا شخصية ولا هوية ولا انتماء ولا جذور، كل هذا لأن الأمة ركنت إلى الدنيا، كل هذا لأن الأمة ارتكبت المحرمات، كل هذا لأن الأمة اجتمعت فيها الموبقات التي أهلك الله بها الأمم السابقة، كل هذا لأن الأمة فارقت دينها وعقيدتها ففارقها العز وفارقها النصر وقهرت واستبيحت وذلت ذلاً ما بعده ذل، فالذل درجات، وأكبره كان من نصيب هذه الأمة في هذه الأيام، فقد يذل إنسان أمام إنسان، وقد تذل أمة أمام أمة، فهذه سنة الحياة، أما أن تذل أمة أمام شرذمة من الأفاقين، أن تذل أمة أمام عصابة، أن تذل أمة أمام من كتب الله عليهم الذل والمسكنة إلى يوم القيامة، فهذا هو أذل الذل.
كتب الله على اليهود الذل إلى يوم القيامة ولكنهم أذلونا، يقول سبحانه ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ [آل عمران:112]، فارق المسلمون دينهم وعقيدتهم، فسلط الله عليهم أذل خلق الله، من جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، وكان على الأمة حين ابتليت بهذا أن تعود إلى دينها وتتوكل على ربها ليعود لها عزها ومكانتها، لكنها ابتعدت عن دينها وتوكلت على أمريكا طالبة منها العون والنجدة ونسيت قول ربها سبحانه: ٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ كَـٰفِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرٰطٍ مّسْتَقِيمٍ [آل عمران:100، 101]، ينتظر أتباع محمد بن عبد الله وأحفاد خالد وعاصم وصهيب، ينتظرون الحل من البيت الأبيض أو البيت الأحمر، ونسوا كلام الله الذي يتلى على مر العصور: ٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاْيَـٰتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].
إن هذه الأمة ـ عباد الله ـ لن تكون أمة جديرة بالنصر والتمكين إلا إذا كانت على ثقة بأن النصر من عند الله، وأننا بقدر ما نرضي الله بقدر ما يوفقنا ويسددنا سبحانه، بقدر ما نعتز بديننا وانتمائنا بقدر ما ننصر، وبقدر ما نتبع أهواءنا وسنن وعادات الذين كفروا بقدر ما نخذل ونذل، فعندما كان رجال من هذه الأمة مخلصين لربهم وحريصين على مصالح قومهم كتب الله على أيديهم الفتح وأيدهم بنصره، ففي مثل هذه الظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية كان الصليبيون في القرن السادس الهجري يعيثون فساداً في بيت المقدس، وجاءت رسالة إلى صلاح الدين مكتوبة على لسان المسجد الأقصى تقول هذه الرسالة:
يـا أيها الملـك الـذي لمعالم الصلبـان نكـس
جاءت إليك ظلامــة تسعى من البيت المقدس
كـل المساجد طهرت وأنا على شرفـي أنجس
فانتفض صلاح الدين وجدّ ونسي الهزل، ونذر نفسه لتخليص الأقصى من براثن الصليبيين، فأعلنها حرباً لإعلاء كلمة الله وإنقاذ مقدسات المسلمين وكتب الله على يديه النصر، وبقي الأقصى معززاً مكرماً إلى أن عاد المسلمون إلى اللهو والعبث وتركوا تعاليم دينهم وراءهم ظهرياً، واستبدلوا بالإيمان النفاق، وبالسنة البدعة، وبمكارم الأخلاق سفاسفها، عندها عاد الصليبيون واحتلوا بيت المقدس ووضع قائدهم قدمه على قبر صلاح الدين قائلاً: ها قد عدنا يا صلاح الدين، فما أشبه الليلة بالبارحة، فهاهم المسلمون يذلون في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس، فإلى أين المفر وإلى أين الملجأ ؟ لا ملجأ إلا إلى الله، ولا توكل إلا عليه سبحانه فتوبوا إلى الله يرحمكم الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله...


الحمد لله... الحمد لله القائل في كتابه وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:103[، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله القائل فيما صح عنه: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) رواه مسلم عن النعمان بن بشير، هذا هو مثل المؤمنين في كل مكان، إن اشتكى مسلم في الغرب أحس به أخوه في الشرق وسعى إلى مساعدته والتخفيف عنه لأن الله أمرنا بذلك، ولأن من بدأ بالاعتداء على أخي فإنه سينتقل بعد الانتهاء منه إلي، فالمؤمنون إخوة، وبلادهم واحدة، وما هذه الحدود التي تقسمنا إلا عوائق وضعها الاستعمار وحافظ عليها أذنابه ليفرقوا بين الأخ وأخيه، فلسان حال المسلم يقول:
أنـا الحجـاز أنـا نجـد أنـا يمـن أنـا الجنـوب بهـا دمعـي وأشجانـي
بالشـام أهلــي وبغـداد الهــوى وأنـا بالرقمتـين وبالفسـطاط جيـراني
وفـي ثـرى مكـة تاريـخ ملحمـة علـى ثــراها بنيـنـا العالـم الفانـي
في طيبة المصطفى روحي ووا ولهي في روضـة المصطفى عمري ورضواني
النيـل مائي ومن عمـان تذكرتـي وفــي الجـزائـر إخوانـي وتطـوان
فأينمـا ذكـر اسـم الله فـي بلـد عددت ذاك الحـمى من صلب أوطانـي
هذه كلها بلاد الإسلام التي ينبغي أن يفرحنا ما يفرحها ويحزننا ما يحزنها، لا ينبغي عباد الله أن نكون كالأنعام التي إن وفرت لها العلف والمرعى تنافست عليه ونسيت ما دون ذلك، بل ينبغي أن نحس بمعاناة إخواننا ونحزن لأجلهم ونتضرع إلى الله أن يلطف بحالهم، فليس من المعقول أنه بينما يذبح الفلسطينيون جهاراً نهاراً نجد الأمة مشغولة بمن سيحرز كأس إيطاليا أو مشغولة بمن سيربح المليون وليست مشغولة بما يفعل شارون، فإلى الله المشتكى.
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال عز من قائل {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق