الأحد، مايو 23، 2010

خطبة عن عيد الفطر

الحمد لله معيد الجمع والأعياد، ومبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه (إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران:9]، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المفضّل على جميع العباد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلم تسليما كثيرا.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد
الله أكبر كلما صام الصائمون، الله أكبر كلما أفطر المفطرون، الله أكبر ولله الحمد.
أمّا بعد: فاتقوا الله ـ أيّها المسلمون ـ حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعروةِ الوُثقى.
فها هو العيد يعود مرة أخرى، ها هو يطل على الأمة من جديد، ها هو يكسو المسلم اليوم فرحة عظيمة يجدها بين جوانحه، ويعبر عنها في هذا اليوم المجيد، فأهلا بالعيد بكل ما يحمل في طياته من فرحة، أهلا بالعيد وكل عام وأنتم بخير.
أيها المسلمون، في العيد معاني نستلهمها في صباحه المشرق، فنعيد بها مراسم حياتنا، ونحن نفرح به ونشعر بوهج الفرحة يخالج قلوبنا، وإليكم أهم هذه المعاني:
• عباد الله : العيد والتكبير: البارحة دوّى التكبير في بيوت المسلمين وفي طرقاتهم، وراح المسلمون كلهم يأتمرون بأمر الله تعالى، ويحيون سنة عظيمة في تاريخ الإسلام، حين يلهجون بالتكبير في كل فجاج من أرضهم، وبات صدى الصوت البارحة وهذا اليوم معلمًا من معالم الإسلام، وصورة حية من صور الاقتداء: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد".
والمتأمل في هذه الكلمة يدرك بعضًا من أسرارها، فالله أكبر من كل شيء يعارض منهجه ويخالف شريعته، الله أكبر من كل مخلوق يعارض به الناس ربوبيته، الله أكبر كلمة دوّت في بيوتنا وعلى أرضنا، وقبل ذلك دوّت بكل ما فيها من قوة في قلوبنا عقيدة صلبة وتوحيدًا خالصًا وتوجّهًا صادقًا.
أيها المسلمون، لا إسلام بلا عقيدة، ولا عبادة بلا توحيد، إن الشرك مع التوحيد ضدان لا يجتمعان إلا كما تجتمع الماء والنار. أيّ عيد يشهده مسلم اليوم لطّخ إيمانه بلوثات الشرك ودنّس قلبه بسيئة الكفر؟!
لقد وصف الله تعالى أقوامًا يقدمون يوم القيامة مستبشرين بأعمالهم، فرحين بجهودهم، يرجون الفوز عند ربهم، فإذا بتلك الأعمال كالرماد الذي يذره الإنسان في يوم ريح عاصف، قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]. ولا يصدق هذا في أعظم صورة له إلا في حق المشرك بالله تعالى، المدنّس لجناب الأولوهية، المنتقص من حق الربوبية.
إن الشرك بالله تعالى سيئة قبيحة، توقف عن صاحبها رحمة الله تعالى ولو كان من أعظم الناس قربة إلى الله تعالى، فهذا رسول الله مصطفاه وخليله ورسوله وأعظم أنبيائه، قال الله له محذّرًا من الوقوع في الشرك: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، فإذا كان رسول الله وخليله ومصطفاه متوعّدا بحبوط العمل حين الشرك فكيف بمن عداه؟! لقد قال الله تعالى محذّرًا من هذه السيئة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وعند البخاري من حديث ابن مسعود قال : ((من مات يدعو من دون الله ندًا دخل النار)). وصدق ابن مسعود حين قال: (لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أحلف بغيره صادقًا).
أيها المسلمون، صور الشرك كثيرة، دنّس بها أناس إيمانهم يشعرون أو لا يشعرون، ومن هذه الصور دعاء غير الله تعالى من المخلوقين سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا. ومن ذلك ما يفعله بعض الناس مع أهل القبور بحجة أنهم أولياء أو سادة، ويفعلون لهم ما يفعلون لله تعالى من القربة؛ كالتقرب إليهم بالذبح عند قبورهم، أو التمسّح بهذه القبور، وسؤالهم معافاتهم من البلاء، ففاعل هذا ـ والعياذ بالله ـ مشرك شركا أكبر، فإن اعتقد أن لهم شيئا من أحكام الربوبية فهو كافر كفرًا أكبر، خالد مخلّد في النار، قال أهل العلم رحمهم الله تعالى: "حتى لو فعل ذلك مع قبر النبي كأن يتمسّح به، ويبتهل إليه، ويدعوه من دون الله تعالى، فإن فاعل ذلك كافر معتد على حق الربوبية".
ومن صور الشرك الحلف بغير الله تعالى، كالحلف بالأنبياء أو الكعبة أو الأمانة، كل ذلك خلاف التوحيد وانتقاص من حق الربوبية. ومن صور ذلك التعلق بالأشخاص؛ كأن يرى أن لهم حظًا من الربوبية كشفاء المرضى أو البرء من العاهات أو حصول العافية منهم نظير ولايتهم كما يدعي ذلك من يدعيه في الأولياء. ومن صور ذلك الذهاب إلى السحرة والكهنة وسؤالهم على وجه التصديق بأخبارهم، أو كمن يذهب بمريضه لساحر أو كاهن راجيًا الشفاء من ذلك. كل هذه الصور وأمثالها تخالف هذه الكلمة التي تدوي على ألسنتا: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد".
فيا أيها الإنسان المسلم، في يوم عيدك المبارك انظر ماذا أبقيت لله تعالى من عبادتك، ماذا صرفت لله تعالى من عملك وإخلاصك. يا أيها المعايد الكريم، تأمّل توحيدك، وانظر بعين البصيرة إلى إيمانك، ولا يغرنّك حال أقوام ضعفاء لا يملكون لخلاص أنفسهم شيئًا بين يدي الله تعالى.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
• عباد الله : العيد والانتماء: العيد تعبير صادق عن انتماء الأمة لدينها، وهو في المقابل دليل على شمول هذه الشريعة ورعايتها للعواطف، وإعطائها فرصة للتعبير عن أفراحها ورغباتها، لقد قدم النبي المدينة ووجد أهلها آنذاك يحتفلون بعيدين يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال لهم: ((لقد أبدلكم الله خيرا منهما: يوم الفطر ويوم النحر))، وقال : ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا أهل الإسلام)).
إن الإسلام جاء متوافقًا مع الفطرة الإنسانية، فجعل له أوقات يفسح له فيها بإفراغ عواطفها، وتعبّر فيها عن مشاعرها، ولذا لا تجد المسلم يتعلّق بأعياد الكفار أو الأعياد المبتدعة في تاريخ الأمة، فليس في تاريخ الأمة عيدًا للأم.... ولا عيدًا لمناسبات غير هذه المناسبات. ومن حقك ـ أيها المسلم ـ اليوم أن تعبّر عن فرحتك بما شئت شريطة أن لا تتعارض هذه الرغبات بشرع الله تعالى، قتدنّس العيد أو تكتب به صورة من الفرح عقيمة في حقيقتها وفي معناها وفي تاريخها.


• عباد الله : رحل رمضان ولا علم لنا من المقبول منا ومن المردود ، رحل رمضان ولم يبق لنا من رحيله إلا هتاف علي يقول: (ليت شعري، من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه)، رحل رمضان ولم يبق لنا من رحيله إلا قول ابن مسعود : (أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك)، لقد رحل رمضان وكأنه لم يكن، رحل هذا العام وترك من يشهد العيد وهو يلبس الجديد، غير أنا لا ندري أيعود ونحن شهود، أم يعود وقد طمس آثارنا الزمن، ووارى أجسادنا التراب، واندثرت أخبارنا في كثرة الراحلين.

• عباد الله : العيد والإخاء: جاء العيد ـ أيها المسلمون ـ ليرسم على الشفاه معاني الحب، ويكتب في حياة المسلمين حياة من الإخاء الصادق، يقول : ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)). والسؤال الذي يطرح نفسه في ساحة العيد بالذات: للقلوب المتنافرة أما آن لها أن تتصافح؟! هل لا زالت مصرة على معاندتها للفطر السوية؟! هل لا زال الكبر يوقد ضرامها ويشعل فتيل حقدها؟! ألا يمكن أن ينجح العيد في أن يعيد البسمة لشفاه قد طال شقاقها؟! إلى متى هؤلاء يصمّون آذانهم عن قول رسول الهدى : ((هجر المسلم سنة كسفك دمه))، وقوله : ((تُعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس إلا المتخاصمين، فيقول الله: أنظروا هذين حتى يصطلحا))؟! وإن لم يُفلح العيد في تحليل صلابة هذه القلوب فوعيد الله تعالى غير بعيد حين قال في كتابه الكريم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22، 23]. وقوم أصابتهم لعنة الله تعالى في أنفسهم وعاشت معهم في حياتهم أنّى يجدون طعم الراحة والاستقرار؟! فهذا العيد وهذه أيامه والفرصة سانحة، فلا تفوّتها، لا حرمك الله من الصفاء والوفاء.
• عباد الله : العيد والعبادة: لقد رسم شهر رمضان لكثير من النفوس أثر الإقبال على العبادة، والذي أوصلها إلا صفاء في الروح ولذة في المناجاة، وصدقًا في التوجه، وهو يتساءل: هل يمكن أن يجد هذه المعاني بعد رمضان؟ وهل يمكن أن يصل إلى تلك النوعية من اللذة التي وجد أثرها في ليالي رمضان وأيامه؟
فنقول له ولأمثاله المتطلعين: نعم يمكن أن تستمر هذه المعاني، وتصل بالفرد إلى أعلى ما يتخيله من آمال وطموحات على مستوى الحياة بأسرها. إن الصيام الذي خلق في النفس روحانية عجيبة لا زال اليوم موجودًا، والفرد مدعو لامتثاله في قول رسول الله : ((من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر)).... إلى غير ذلك من أنواع العبادات التي حث الشرع عليها وأرشد لها. والمتطلع إلى الأجر الذي أوصله وجده على فراق رمضان إلى حد البكاء، يمكن أن يعيش في ظل الإيمان والبحث عن الخير والمحافظة على المعروف إلى أرقى معاني العبودية بينه وبين ربه تبارك وتعالى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ، إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ . الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الخطبة الثانية
الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ((إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا))، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ((إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا)).
الحمدُ لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهدُ أن محمدًا عبدهُ ورسولُهُ.
أيها الناس، اتقوا الله وأطيعوه، والتزموا أمره ولا تعصوه.
أيها المسلمون، العيد صورة من الفرحة تبدو واضحة حين يداعب الرجل أهله وأبناءه في يوم العيد، وحين يشاركهم لهوهم وسعادتهم في مثل هذه الأيام، ويبدو العيد أكثر فرحة حين تمتد اللقاءات بين الجيران والأصدقاء، حين يخرج المرء من بيته قاصدًا أهله وصحبه وإخوانه، لا لشيء إلا لمدّ فرحة العيد في قلوب الآخرين. وتبدو أكثر أثرًا وأوضح صورة حين يتجاوز أحدنا خلافاته مع الآخرين فينطلق إليهم إلى بيوتهم، فيقبلهم داعيًا لهم بهذه القدوة إلى نوع من الإبداع في صورة العيد في نفوسهم. نحتاج إلى عيد خاليًا من دنس المعصية، بعيدًا عن جرح النفوس الفرحة بالعيد على وجه العبادة. العيد صورة من صور العبادة لله تعالى، والفرحة التي نعيشها فيه إنما تنطلق من سياج العبودية العظيم، والفرح حقيقة هو الفرح في ظل هذا السياج العظيم.
واحذر ـ أخي المسلم ـ أن تبدد الفرحة اليوم بمقارفة منكر أو دنس ريبة، وحلّق بقلبك في سمو هذه الشريعة تجد فناءها أوسع فناء.
هنيئًا بالعيد يا أهل العيد، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء، ولا أراكم في يوم عيدكم مكروهًا.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد ولله الحمد،
اللهم اجعله عيدًا سعيدًا وأعده أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، اللهم أعده على الأمة الإسلامية وقد تحقق لها ما تصبو إليه من عزة وكرامة وعودة للمسجد الأقصى.
ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه.
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم تب علينا توبة نصوحاً لا معصية بعدها اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولسائر المسلمين.
اللهم إن عبادك خرجوا إلى هذا المكان، يرجون ثوابك وفضلك، ويخافون عذابك، اللهم حقق لنا ما نرجو، وآمنا مما نخاف، ولا تخزنا يوم الفزع الأكبر، واجعل لنا ذكرًا حسنًا في العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم تقبل منا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد ولله الحمد،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق