الأحد، مايو 23، 2010

خطبة عن لقمان وابنه

درس للوالدين من قصة لقمان مع ابنه 23-3-1430هـ

أما بعد: عباد الله، لقمان الحكيم أحد الحكماء الذين أخبر الله تبارك وتعالى عنه في القرآن الكريم: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [لقمان: 12]. أعطاه الله الحكمة فشكر الله على هذه النعمة، وهداه الله إلى أن من شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن الله غني حميد، فما شأن لقمان مع ابنه؟
لقد أوصاه ووعظه فقال له: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13]، ثم قال الله تبارك وتعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: 14، 15]. ثم قال لقمان: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان: 16]، غرس في قلب ابنه مراقبة الله والخوف من الله تبارك وتعالى. ثم قال يرشده إلى أعظم وأوجب الأمور قائلا: يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان: 17]، أي: من الأمور التي أمر الله بها على وجه العزم والتأكيد. ثم نهاه عن أقبح الصفات وأشنع الخلائق قائلا: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ أي: لا تعرض عليهم بخدك تكبرا عند الكلام، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 18، 19].
هذه ـ إخوة الإيمان ـ وصايا لقمان وموعظته لابنه، وإنني قد حدثتكم بهذه القصة لأنني أريد أن أقرر قضية هامة في المجتمع المسلم، إنها قضية القرب من الأبناء ووعظهم وإرشادهم وتوجيههم والجلوس ومعهم والتحدث إليهم.
أيها الآباء والأمهات، عليكم أن تستيقظوا من الغفلة عن أبنائكم، فأنتم السبب في وجودهم في الأرض بعد الله، فلا تكونوا السبب في هلاكهم في الدنيا والآخرة، أما ترون أننا تركنا الطرقات تربّي أبناءنا؟! أما ترون أننا تركنا القنوات الفضائية تشكل أبناءنا؟! أما ترون أننا تركنا رفقاء السوء يبلورون فلذات أكبادنا؟! والله، أنتم مسؤولون أمام الله تبارك وتعالى تجاه أبنائكم.
نعم أيها الآباء والأمهات، انظروا الى حالنا وحال أبنائنا وبناتنا في الإجازات الدراسية كيوم الخميس والجمعة وباقي الإجازات القصيرة أوالطويلة، فالمتأمل يجدها إجازة عن الصلوات، فالإجازة أصبحت إجازة عن النوم في الليل وتحويله إلى النهار، الإجازة أصبحت إجازة من المدرسة إلى قضاء أغلب الأوقات في الملاعب والملاهي والمنتزهات.
أيها الآباء والأمهات، لا تقاس الأمم في حضارتها وأمجادها إلا بالشباب، فهم عماد الأمة، وما قام الدين إلا على أكتاف الرجال والشباب، وما ترون من المصائب والويلات في الشرق والغرب إلا بسبب فساد شباب تلك الأمة.
أيها المسلمون لقد استعدّ أهل الشر لاستغلال الشباب لصالحهم أتمّ استعداد، فزيد في عدد المسلسلات اليومية وأفلام الكرتون المدبلجة، وقام كثير ممن يغوون الشباب بالمبالغة بالرياضة حتى خرجت عن طوررها الصحيح، وقام كثير ممن قصرت أنظارهم بالسفر إلى بلاد الكفر والخنا والعياذ بالله. وللأسف الشديد فإن الشاب ينجرف وراء هذا التيار القادم، أتعرفون لماذا؟ لأن الشاب يعاني من فراغ كبير، كل أوقاته فراغ، ولقد قيل: إن الفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة.
أيها المربون الكرام، أيها الآباء والأمهات والعاملين في حقل التربية والتعليم، وكل من له شأن في الوعظ والإرشاد والدعوة والتعليم، عليكم أن تتقوا الله تبارك وتعالى، واعلموا أن عليكم واجبًا تجاه شباب أمتكم، أمام هذا التيار المنحرف المنجرف. على الآباء والأمهات التوجيه والإرشاد والمتابعة، وعلى محفّظي الحلقات تكثيف الجهود لاستغلال أوقات الشباب لصالح القرآن. وأما العاملون في مراكز الدعوة والعاملون في مجال التعليم فإن عليهم إقامة البدائل المنضبطة بضوابط الشرع؛ من إقامة دروس ومحاضرات ومسابقات وندوات وإقامة المراكز الصيفية، وعلى أولياء الأمور ترشيد أبنائهم إلى مثل تلك البرامج والقرب منها.
أيها الشباب، لسنا نتهمكم بالفسق والفجور والانحراف، ولكن التجربة خير برهان، كم من شاب وشابة كانوا مستقيمين على طاعة الله فتمرغوا في أوحال الفراغ، فأصبحوا من المنحرفين والضالين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الشباب، اتقوا الله، واستغلوا ما يعدّ لكم من خير، واحذروا شباك الشر التي نصبت لاصطيادكم، واعلموا أن الله سائلكم عن شبابكم فيما أبليتموه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من خير أمة أخرجت للأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من قالها وعمل بها له دار السلام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، ومن سار على نهجه واستقام.

أما بعد: أيها المربّون الكرام، ثلاث رسائل أبعثها إليكم؛ علّ الله أن ينفعني وإياكم بها:
الرسالة الأولى: هي قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].
الرسالة الثانية: قول الله عز وجل: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133]. تسابقوا إلى فعل الخيرات، فإن أعظم تربية للأبناء هو صلاح الوالدين واستقامتهم على الطاعة، فالقدوة الحسنة من أعظم الأمور للصلاح والاستقامة.
الرسالة الثالثة: أيها المربون، أشغلوا شبابكم بما يرضي الله قبل أن يشتغلوا بما لا يرضي الله، فمن لم يشتغل بالحق شغله الباطل.
ثم أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله... حيث قال عز من قائل {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم على خلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارزقنا القناعة بما آتيتنا ورزقتنا، اللهم وأغننا بحلالك عن حرامك، وبك عمن سواك، اللهم اجعلنا أفقر الناس إليك، وأغنى الناس بك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى.
اللهم تب علينا توبة نصوحاً لا معصية بعدها اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولسائر المسلمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق