السبت، مايو 22، 2010

حوادث المرور وآداب السير

حوادث المرور الوقاية والعلاج 7/6/1431هـ
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
عباد الله: ومن خلال الإحصائيات كشف تقرير إحصائي للإدارة العامة للمرور أن عدد الحوادث المرورية التي وقعت خلال العام قبل الماضي 1429ه بمختلف مناطق ومحافظات المملكة بلغت أكثر من 485 ألف حادث راح ضحيتها 6485 شخصا أي بمعدل 17 شخصا في اليوم الواحد. وأشار التقرير إلى أن عدد المصابين من جراء تلك الحوادث بلغ أكثر من 36 ألف مصاب وبلغت نسبة الحوادث الجسيمة 5 % من إجمالي عدد الحوادث وهناك 13 حالة وفاة لكل ألف حادث. ومن خلال تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية سجلت السعودية أعلى نسبة وفيات بحوادث الطرق على المستويين العربي والعالمي حيث وصل عدد الوفيات إلى 49 وفاة لكل 100 ألف من السكان تقدمت به على دول كثيرة من حيث عدد الوفيات لكل مئة ألف من السكان، مثل مصر 41 شخصا، وفي إريتريا 48 شخصا، وفي أفغانستان 39 شخصا، وفي تونس 34.5 شخصا فيال هول ما قرأنا ورأينا وسمعنا، إن لغة الأرقام حين تنطق تذهل السامع وتخرس المجادلين.
وهذه الإحصائيات إن دلت على شيء فهي تدل على كارثة عظيمة تفتك بالمجتمعات وتغزو اقتصادها ومواردها البشرية لذا يجب علينا التفكير بجدية وبفعالية لمعالجتها بأسرع ما يمكن .
[وينبه المهتمين بالشأن المروري من خطورة الحوادث المرورية على المجتمع محذرا من مسبباتها من السائق والطريق والمركبة، فوفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الحوادث المرورية تتسبب في مقتل أكثر من مليون شخص سنوياً، وتصيب ثمانية وثلاثين مليون شخص (خمسة ملايين منهم إصابات خطيرة).
ولقد ركزت الدراسة على أسباب الحوادث المرورية فتجدها عند القيادة بحالة التعب والإرهاق، والانشغال عن القيادة مثل استخدام الهاتف، وعدم التقيد بأنظمة المرور، والتهور في القيادة، عدم صيانة السيارة وفحصها، وأحوال الطريق من أعمال على الطريق ومنحنيات خطيرة وعدم وجود عوامل السلامة، وأحوال الطقس من أمطار وضباب ورمال.
عباد الله: إن قصص حوادث السيارات أصبحت مألوفة لنا لكثرتها، فهذا انقلاب يودي بالعشرات، وذاك تصادم تمزق فيه الأشلاء، وذاك دهس تُسال فيه الدماء،يا لله، ما أشنع مناظر الحوادث، ما أقساها، ما أعنفها، إنه حديد لا يرحم أحدًا. يا لله، ما أقسى المنظر يوم يتعامل هذا الحديد الشديد مع الجسد الطري، كيف يُمزقه يُشققه، رحماك يا رب.
عباد الله: إن حوادث الطرق كحرب مدمرة بمعدات ثقيلة تنزف بها الدماء وتستنزف فيها الثروات، حرب معلنة ليس فيها إلا كاسب واحد، هو الإهمال وضعف التربية ونقص الوعي والتخلي عن المسؤولية.
ولن يكون فيها الانتصار بإذن الله إلا إذا أعلن الجميع حالة النفير، فما تستقبل المستشفيات والمقابر وما تحتضنه ملاجئ الأيتام ودور الرعاية الاجتماعية، كل ذلك أو جله ضحايا التهور وعدم المسؤولية، قطع للأيادي، وبتر للأرجل، وكسر للعظام، موتى ومشلولون ومقعدون في صور مأساوية يصحبها دموع وآهات وتقلبات وأنّات. مركبات متنوعة، ووسائل نقل متعددة، يُساءُ استخدامها، ويقودها من لا يقدرها حق قدرها فتحصد الأرواح، وتهدم الممتلكات. نتائجها هلكى ومعاقون وعجزة، يهلكون أنفسهم ويرهقون اقتصادهم، ويبقون عالة على مجتمعهم ودولتهم، وأجزم أن الكثير من الحاضرين قد اكتوى بألم الحوادث إما على نفسه أو قريبه أو عزيز عليه.
فيا أخي، تفكر في تلك الأرقام وضخامتها، إنها خسارة فادحة على الأمة أن تفقد هذه الأعداد الهائلة من الأنفس، ولا شك أن هذا قضاء الله وقدره، ولا ريب في ذلك.
عباد الله إن مما ينبغي أن نعيه ونتساءل لماذا كل هذه الأرقام وكل هذه الضحايا ومن المتسبب فيها
ومهما يكن من شيء فإن الذي ينبغي أن نعيه ويعيه كل مسلم عاقل هو مسئوليته أمام الله عن نفسه التي بين جنبيه، ومسئول عن كل نفس قتلها بغير وجه حق.
فتأمل يا عبد الله كم من الآثام ستجني حين تفرط في أسباب السلامة فينتج من تفريطك قتل نفس بغير حق أو إتلاف للأملاك أو الأموال الخاصة أو العامة وكلها مما حرم الله إتلافه بغير حق وكم من الحسرة ستلاحقك طوال حياتك إن كان قلبك حي، حين تسببة في قتل عائل لأسرة كاملة ينتظره الشيخ الكبير والعجوز والطفل الصغير، فتكون سببا في هلاكهم وحرمانهم باستهتارك أو تفريطك بالأخذ في أسباب السلامة.
نعم إن ما قدره الله لابد أن يكون ولكن حين يقع القدر، وقد عملت الأسباب يرحمك كل محب ويشفق عليك كل صديق ويعوضك الله خيراً.
ولكن حين يقع القدر وأنت مفرط بالأخذ بالأسباب تكون موضع اللوم والعتب في الآخرة والأولى، فلنعي هذا جيداً ولنحذر التفريط فما ندم من عمل بالأسباب.
عباد الله: كثيراً من المسلمين هداهم الله يتساهلون في جعل السيارات بأيدي صغار أبنائهم، وكلّوها إلى قوم صغار السن أو صغار العقول، تجده يقود السيارة وهو صغير السن لا يكاد يُرى من نافذتها، وتلك مصيبة، يرتكبها الذي يسمح لهذا الصغير بالقيادة، كم حادث وفاة كان من جراء شاب صغير انطلق بسيارته فدهس بها من ، وما ذلك إلا تهاون وتفريط، والمسؤولية تقع على من سمح للصغير أو غيره من المتهورين بالقيادة.
فيا أخي المسلم لا تهلك مع الهالكين وعليك بأسباب السلامة، حتى لا تكون أنت المتسبب في إزهاق نفس كانت على الوجود، ثم إذا فقدت بهذه الحوادث لزم من ذلك:
أولاً: إخراج هذا الميت من الدنيا وحرمانه من التزود بالعمل الصالح والاستغفار من العمل السيئ. ثانياً: فقد أهله وأصحابه بالتمتع معه في الحياة.
ثالثاً: ترمل زوجته وتيتم أولاده إن كان ذا زوجة وعيال.
رابعاً: غرامة ديته تسلم إلى ورثته إلا إذا عفا أهله عنها.
خامساً: وجوب الكفارة حقاً لله تعالى، فكل من قتل نفساً خطأ أو تسبب لذلك أو شارك فيه فعليه الكفارة، فلو اشترك اثنان في حادث وتلف به شخص، فعلى كل واحد منهما كفارة كاملة، والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد كما هو الواقع في عصرنا، فصيام شهرين متتابعين، لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا من عذر شرعي، فإن أفطر قبل إتمامهما ولو بيوم واحد من دون عذر وجب عليه أن يبدأ بالصوم من جديد، وهذه الكفارة حق الله تعالى لا تسقط بعفو أهل الميت عن الدية، فأهل الميت إذا عفوا عن الدية إنما يملكون إسقاط الدية إن رأوا في إسقاطها مصلحة.
وأما الكفارة فلا يمكن إسقاطها لأنها حق الله عز وجل، وهذه الكفارة أيضاً تتعدد بتعدد الأموات بسبب الحادث، فإن كان الميت واحداً فشهران، وإن مات اثنان فأربعة أشهر، وإن مات ثلاثة فستة أشهر، وهكذا عن كل نفس يصوم شهرين متتابعين.
فاتقوا الله أيها العباد في أنفسكم وفي إخوانكم وأموالكم، واتقوه بطاعة ولاة أمركم إذا أمروكم بما فيه صلاحكم وسبب سلامتكم.
واعلموا أن مخالفة نظام الدولة ليس مخالفة لبشر فقط، ولكن مخالفة للبشر ولخالق البشر، وأعلم أخي المسلم أن رجل المرور واحد من ولاة الأمور، وولاة الأمور مقرونة طاعتهم بطاعة الله ورسوله، يقول الحق تبارك وتعالى: ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْكُمْ[ [النساء:59]، فرجل المرور أو ضابط المرور من أولي الأمر تجب طاعته فيما يأمر به، وينهى عنه، إذا لم يكن فيه معصية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله: ألا فاتقوا الله رحمكم الله، والتزموا آداب دينكم، فالسير الآمن مقصد من مقاصد الشريعة، ووصف بارز من صفات عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً.
أخي المسلم، إنّك حينما تمتطِي سيّارتَك فاتق اللهَ بفعل ما أمر واجتناب ما نهى؛ لأن التقوى سبب للتيسير والخروج من الشدة، قال تعالى: ]وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا[ [الطلاق: 4].وقال تعالى: ]وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا[ [الطلاق: 2].
ثم اشكرِ الله على هذه النعمة وأن هيّأها الله تعالى لك ويسّر لك قيادَتها، فاعرف حقَّ الله تعالى واشكرِ الله وأثنِ عليه واستعِن بالله في كلِّ مهماتك، يقول رسول الله r: ((من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: ((من أراد سفرا فليقل لمن يخلف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه)) أخرجه أحمد.
ثم عليك أن تتوكل على الله عندما تركب سيارتك أو تخرج من بيتك، فإن من توكل على الله كفاه. واعلم أن من حسن التوكل الأخذ بالأسباب، قال r: ((إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله يُقال له حينئذ: هُديت وكفيت ووقيت، فتتنحى عنه الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف برجل هدي وكفي ووقي؟!)).
وعند ركوبك السيارة أو الحافلة أو غيرها فلتقل:[ بسم الله الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، ثم تقول: الحمد لله الحمد لله الحمد لله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ]. وإذا أردت سفرًا فلتقل أيضا: [اللهم نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ومن كآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل ]. كما في صحيح مسلم.تأمل هذه الجمل في هذا الدعاء العظيم، وتساءل: كم مرة حافظت عليه في سفرك؟
وعليك أخي المسلم أن تبتعد عن المحرمات في أحوالك كلها كالأغاني والمخدرات والمسكرات وغيرها؛ وخاصة عند قيادة السيارة لأن الإنسان على هذه الطرق في خطر، وهذه المعاصي تُبعد عنه حفظ الله، بل إنها تقرب منه عقاب الله. ألا تخاف ـ أيها الكريم ـ من قوله تعالى: ]فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنبِه[ [العنكبوت: 40]؟!
وليكن رفيقك في السفر القرآن الكريم وجميل القول والذكر الحسن.
واعلم حفظك الله أن من أسباب سلامتك المحافظة على صلاة الفجر في جماعة، قال r: ((من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله)) رواه مسلم.
وصححه الألباني. ولا تنسى في كل أحوالك حرمة دم المسلم وماله والخوف من الوقوع في أذيته. وأحرص على تفقد السيارة قبل ركوبها أو السفر بها، وهذا من فعل الأسباب المطلوبة شرعًا.
والتزم سلمك الله بتعليمات المرور وأنظمته.
وسر في الطرقات سيرا متأنيا رفيقا غير مستعجل، واعلم أن الرفق أدب رفيع من الآداب النبوية التي تحث على الرفق في الأمور كلها، قال r: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)).
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
والكل يحفظ: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
وأخيراً: عندما يرجع المسلم من سفره سالما ويطل على مشارف بلدته يقول: [لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ]. كما في صحيح مسلم.
هكذا يكون التوكل على الله في الركوب والسفر، وهي بحق من الزاد الروحي الذي يجعل المسلم ينطلق في سربه وطريقه على هدى من الله تعالى، وعلى يقين بأن الحافظ هو الله تعالى، وبهذا يكون مستشعرا لمعيته ومراقبته، ومن ثم تكون أخلاقه وفق ما يحب ويرضى جل وعلا.
معاشر المؤمنين، هذه الوصايا لو أخذنا بها لكانت سبباً بإذن الله تعالى أن يحفظنا من كثير من هذه الكوارث، فهل نفكر في هذا ؟! هل نُعيد النظر في طريقة تعاملنا مع هذه المركبات والسيارات؟!
لذا لا بد لنا من الانصياع الكامل لأوامره ونواهيه والتوكل عليه، فإذا نزل البلاء حفظ الله أولياءه.
فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم وفي أولادكم وفي إخوانكم، والتزموا بحفظ نظام السير وتعاونوا مع كل مسؤول عن مصالح المسلمين، وتعاونوا على البر والتقوى ليحصل بذلك الأمن والسلامة لجميع المسلمين.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن يحفظون دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، وأن يكتب لنا وللمسلمين جميعًا السلامة والعافية في البر والبحر، وأن يحفظ أهلنا وأبناءنا وبناتنا وبلدنا هذا خاصة وسائر بلاد المسلمين، آمين.
اللهم آمنا في سربنا، وعافنا في أجسامنا، وارزقنا رزقا حلالا. اللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير يا رحمن يا رحيم.
اللهم أحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، اللهم أحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك يا ذا الجلال والإكرام.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق