الأحد، مايو 23، 2010

خطبة عن الزكاة

الحمد لله الجواد الكريم الشكور الحليم، أسبغ على عباده النعم ودفع عنهم شدائد النقم وهو البر الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل العظيم، والخير العميم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
إخوةَ الإيمان، شهرُ رَمضانَ تقوَّضَت خِيامه، وتصرَّمت لياليه وأيّامُه، قرُب رَحيلُه، وأزِف تحويلُه، انتصَب مودِّعا، وسَار مسارعا، ولله الحمد على ما قضَى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم.
فاستدركوا ـ رحمكم الله ـ بقيّتَه بالمسارعة إلى المكارم والخيرات واغتنامِ الفضائل والقرُبات، ومن أحسن فعليه بالتمام، ومن فرَّط فليختم بالحسنى فالعمل بالخِتام
أيّها المؤمِنون، في المسلمين فقراءُ لا مَورِدَ لهم، ومشرَّدون لا أوطانَ لهم، يعيشُ كثيرون منهم أيّامًا قاسِية، ويذوق آخَرون مراراتٍ متنوِّعة، ولا حولَ ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.
فيا أمّةَ محمّد نبيِّ الرحمةِ والإحسان، نبيِّ العَطفِ والجودِ والحَنانِ، اللهَ اللهَ في إخوانِكم، تذكَّروا أحوالهم، وابذلُوا ما تستطِيعون في مساعدتهم من مالٍ وغِذاء وكساء ودواءٍ، وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ [سبأ:39].
تذكَّروا وأنتم في رمضانَ، تذكَّروا إخوانَكم المستضعَفِين في كلِّ مكان، خُصّوهم بصالحِ الدعاء وخالِص التضرُّع إلى المولى جلّ وعلا، فنبيّناقال يقول: ((ثلاثة لا ترَدّ دعوتهم)) وذكر منهم: ((الصائم حين يفطِر)) حديث حسن [3].
إخوةَ العقيدة، إنّ بلادَ الحرمين ـ وبحمد الله ـ تعيش نعَمًا عظمى في ظلِّ تحكيم شَريعةِ الإسلامِ ومبادئِه الخالِدَة، وإنّ مما تعايِشُه وتعيشه قاعِدةَ التآلُف بين أبنائها ومبادِئ المحبّة والمودّة التي يسعَى الحاكم والمحكومُ إلى تحقيقها، وإنَّ من ذلك ما ينتشِر في أرجائها ويكثر في بلادها من جمعيّاتٍ خيريّة ومؤسَّسات خيِّرة، وهي بحاجةٍ إلى دعمِكم ومساعدَتِكم، وفي تطلُّعٍ إلى بذلِ المزيد من عونِكم وإمدادكم، خاصّةً في هذا الشهر شهرِ الجودِ والعطاء، فنبيّنا يقول: ((ما نقَصَت صدقةٌ من مال)) رواه مسلم [4]، ويقول: ((اتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرة)) [5]. وهكذا الحالُ يجب أن يكونَ عليه المسلمونَ في كلِّ بلدٍ من بلدانهم.
معاشرَ المسلمين، فريضةُ الزّكاة فريضةٌ في الإسلام معلومَة من الدّينِ بالضّرورة، سَببٌ للنّجاة مِن كلّ مرهوب، وطريقٌ للفَوز بكلّ مَرغوب. خطب النبيّ في حجّة الوَداعِ فقال: ((اتَّقوا الله ربَّكم، وَصلّوا خمسَكم، وصُوموا شهرَكم، وأدّوا زكاةَ أموَالكم، وأطيعوا ذا أمرِكم، تدخلُوا جنّةَ ربّكم)) رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح" وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبيّ [6].
معاشر المسلمين، لقد وجّه القرآن الكريم وَعيدَه الشديدَ لمانِعي الزّكاة والمتهاوِنين فيها: وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]. ونبيّنا وحبيبُنا حَذّر أمّتَه من التهاونِ في الزّكاةِ أو التساهل في إخراجِها بأساليبَ شتّى وتوجيهاتٍ لا تُحصَى، فقد أنذَر مانعي الزكاةِ بالعَذابِ الغَليظِ في الآخرَةِ، لينبّهَ القلوبَ الغافِلة ويحرّكَ النّفوس الشّحيحةَ إلى الحِرصِ عليها والاهتمامِ بشأنها، فقد روى البخارِيّ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قال رسول الله : ((مَن آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاتَه مُثِّل له يومَ القيامة شُجاعًا أقرع ـ كناية عن أخبثِ الحيّات ـ له زبيبتَان، يطوَّقُه يومَ القيامة، ثمّ يأخُذ بلهزمَتَيه ـ يعني بشدقيه ـ ثمّ يقول: أنا مالُك، أنا كنزك))، ثم تلاَ النبيّ قولَ اللهِ جلّ وعلا: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [آل عمران:180] الحديث رواه مسلم [7]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما مِن صاحِبِ ذهَبٍ ولا فِضّة لا يؤدّي منها حقَّها إلاّ إذا كان يوم القيامَةِ صُفِّحت له صفائِح من نار، فأُحمِي عليهَا في نارِ جهنّم، فيُكوَى بها جنبُه وجَبينه وظهره، كلّما بَردَت أعيدَت له في يومٍ كان مِقداره خمسين ألفَ سَنَة، حتى يُقضَى بينَ العِباد، فيُرَى سبيلُه إمّا إلى الجنّة وإما إلى النّار)) الحديث رواه الشيخان [8].
فيا مَن أنعَمَ الله عليهِم بالنِّعَم المتوافِرة وفَضّلهم بالأموَالِ المتكاثِرة، تذكّروا مَن يعيشونَ تحتَ وَطأةِ البؤس ويُقاسُون همومَ الحاجة، تذكّروا أنّه مَتى فَشا تركُ الزّكاة في قومٍ نُزعَت من أرضهم البركات ووقعَت بهم البلايا والآفاتُ، ((ما منَع قومٌ الزّكاةَ إلاّ ابتلاهم الله بِالسّنين)) [9]، وفي حديث آخر: ((مَن أدّى زكاةَ مالِه فقد ذهَب عَنه شرُّه)) [10]، ونبيّنا يقول أيضا: ((ولم يمنَعوا زَكاةَ أموالهم إلاّ مُنِعوا القطرَ من السّمَاء، ولولا البهائمُ لم يُمطَروا)) [11].
فاتّقوا اللهَ عبادَ الله، وأدّوا زَكاةَ أَموالِكم طَيّبةً بها نفوسُكم، تحصَّنوا بالزّكاةِ مِن شرور أموالِكم، وطهِّروا بها دنياكم وأخراكم، خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ [التوبة:103].
يا مَن أضعَفَته نفسُه عَن إِخراجِ ما أوجَبَ الله، ألا تخشَى من سَخطِ الله؟! ألا تخشَى أن يعتَريَك ما يصيبك في مالِك ويصيبُك في بدنك، فيحرمك حينئذٍ من لذّة الانتفاعِ به؟! فنبيّنا يقول: ((تعِس عَبد الدِّرهم، تعِسَ عَبدُ الدّينارِ، تعِسَ عبدُ الخميلَة، تعِس عبدُ الخميصة، إن أُعطِيَ رضِي، وإن لم يُعطَ سخِط، تَعِس وانتكس، وإذا شِيكَ فلا انتُقِش)) رواه البخاري [12]، وفي الحديث: ((ينادي في كلّ صباح ومساءٍ ملَكان: اللّهمّ أعطِ كلَّ منفِقٍ خلفًا وكلَّ ممسِكٍ تلفًا)) رواه البخاري [13].
بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ، ونَفَعنا بما فيه من البيان، أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله لي ولَكم ولسائِرِ المسلِمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنّه هو الغفور الرّحيم.


الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ سيّدَنا ونبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله جلّ وعلا، فهي وصيّةُ الله للأوَّلين والآخِرين.
أيّها المسلِمون، الزّكاةُ حَقٌّ مَعلوم، قَدَّر الشارِع أنصِبتَها ومقاديرَها وحدودَها وشروطَها ووقتَ أدائها وطريقة أدائها، حتى يكونَ المسلِم على بيّنة من أمرِه ومعرفةٍ بما يجِب عليه وكَم يجِب عليه ومتى يجِب.
فعَلَى كلّ مسلِمٍ أن يكونَ على بيّنَةٍ من تلك الأحكامِ وعلَى درايةٍ بتلكَ التعاليم عن طريقِ سؤالِ أهلِ العلمِ والاستيضاح من ذوي أهل العرفان، فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43].
فالزّكاة تجِب في الأثمانِ وهما الذّهبُ والفضّة بأنواعِهِما، ويلحَق بها الأوراقُ الماليّة التي جعَلها الناسُ لمعاشهم أقيامًا، كما تجِب في الخارجِ من الأرضِ مِن كلِّ حَبٍّ وثَمَر يُكال ويدَّخَر، وتجِب أيضًا في بهيمةِ الأنعَام وعروضِ التّجارة وهي كلّ مَا أُعِدّ للبَيعِ والاكتساب أيًّا كان نوعُها، سواء كانَت من العقاراتِ كالأراضِي والدّورِ أو كانت من غَيرها، فإذا حال الحولُ على هَذِه العروض قوِّمَت قيمةَ السُّوق وأخرَج مالِكُها زكاتَها من مِقدار قيمتِها رُبعَ العشر، أمّا مَن أعدّ عَقارًا أو غيرَه للإيجارِ لا للبَيعِ ولا للاتّجار فالزّكاةُ في أُجرتِه إذا حَالَ عليها الحول.
ثمّ إنّ الله جلّ وعَلا أمَرَنا بِأمرٍ عظيم تَزكو به أنفُسُنا وتطيبُ به أوقاتُنا، ألا وهو الصّلاة والسّلام على النبيّ الكريم.
اللهمّ صلّ وسلّم وبارِك على سيدنا وحبيبنا نبينا محمّد، وارضَ اللهمّ عن الخلفاءِِ الرّاشدين...أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارزقنا القناعة بما آتيتنا ورزقتنا، اللهم وأغننا بحلالك عن حرامك، وبك عمن سواك، اللهم اجعلنا أفقر الناس إليك، وأغنى الناس بك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى وخذ بناصيتنا للبر والتقوى.
اللهم تب علينا توبة نصوحاً لا معصية بعدها اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم ولسائر المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام وتلاوة القرآن، اللهم واجعلنا فيه من المقبولين يا رب العالمين اللهم وأعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار...
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق