الأحد، مايو 23، 2010

خطبة عن يوم عرفة وعن الأضحية

عباد الله، لا نزال نتقلّب في هذه الأيام المباركة التي عظّم الله شأنها ورفع مكانتها، ألا وهي أيام عشر ذي الحجة، تلك الأيام الفاضلة التي أخبر النبي أن العمل الصالح فيها يضاعف إلى أضعاف كثيرة، قال : ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء))، وقد مضى نصف هذه الأيام، فمن كان فيها محسنًا فليزدد من الإحسان وليسأل الله القبول، ومن كان فيها مقصرًا ومفرطًا فليتدارك ما بقي منها، فقد بقي منها أفضل أيّامها وأكرمها على الله تعالى، هذا اليوم هو يوم عرفة، ذلك اليوم العظيم الذي أكمَل الله فيه الدين وأتم علينا به النعمة وأنزل فيه قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة: 3].
يوم عرفة الذي هو أساس الحج وركنه العظيم، ومن لم يقف بعرفة فلا حج له، يوم عرفة الذي تغفر فيه الزلات وتكفر فيه السيئات ويعتق الله به عباده من النار، قال : ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة))، وقال : ((إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثًا غبرًا ضاحين من كلّ فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم)).
يشرع فيه للحجاج كثرة الدعاء وقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، قال : ((خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)).
أما من لم يكن حاجا فإنه يشرع له صيام يوم عرفة، ففي ذلك الأجر العظيم، فقد قال عندما سئل عن صيام يوم عرفة قال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والباقية)). والصيام في عرفة وغيرها له أجر عظيم قال : ((من صام يوما في سبيل الله باعده الله من جهنم مسيرة سبعين خريفا)).
ويشرع في يوم عرفة التكبير المقيد الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة، فيكبر المسلمون بعد الصلاة ويرفعون أصواتهم به، وصفته أن يقول: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر لله الحمد".
عباد الله، ولقد بقي من هذه الأيام المباركة يوم النحر الذي هو أعظم الأيام عند الله تعالى، رفع الله قدره، وأعلى ذكره، وأقسم به في كتابه الكريم، وسماه: يوم الحج الأكبر، وجعله عيدًا للمسلمين حجاجًا ومقيمين، فبه ينتظم عقد الحجيج على صعيد منى، ويفرح المسلمون به في شتى بقاع الأرض.
في هذا اليوم العظيم يتقرب المسلمون إلى ربهم بذبح ضحاياهم اتباعا لسنة الخليلين محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فالأضاحي ـ عباد الله ـ شعيرة عظيمة وسنة قويمة قد ورد الفضل العظيم لمن أحياها، فقد روي عن النبي أنه قال: ((ما عمل ابن ادم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم ، وإنها لتأتي يوم القيامة بأظلافها وقرونها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، وإن للمضحي بكل شعرة حسنة وبكل صوفة حسنة، فطيبوا بها نفسًا)) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.
ولقد حذر النبي من التفريط بها لمن كان مستطيعًا، فقال : ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربنّ مصلانا)).
واعلموا ـ عباد الله ـ أن للأضاحي شروطًا وأحكامًا لا بد أن تستكملها حتى تكون مقبولة تامة، فمن شروط الأضاحي: أن تبلغ السن المعتبرة شرعًا، فمن الإبل ما تم له خمس سنوات، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن المعز ما تم له سنة كاملة، ومن الضأن ما تم له ستة أشهر. ومن شروط الأضاحي: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء، وقد بينها النبي بقوله: ((أربع لا تجزئ في الأضاحي: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي))، ومعنى العجفاء أي: الهزيلة التي لا مخّ فيها. ويقاس على هذه العيوب ما كان مساويًا لها أو أعظم منها، مثل مقطوعة الرجل والعمياء. ومن شروط الأضاحي: أن تذبح الأضحية في الوقت المحدد شرعًا، ويبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة العيد، قال : ((من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمّ نسكه وأصاب سنة المسلمين)). ويمتد وقت ذبح الأضحية إلى غياب الشمس من ثالث أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، وعلى هذا فيكون وقت ذبح الأضحية أربعة أيام: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وهي أيام التشريق.
والأفضل أن تذبح نهارًا، ويجوز ذبحها ليلاً، وتجزئ الشاة في الأضحية عن الرجل وأهل بيته، وأما الإبل والبقر فتجزئ عن سبعة أشخاص. وينبغي للمسلم أن يختار الأكمل من الأضاحي في جميع صفاتها، وأن تكون من مال طيّب، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
ومن آداب الأضاحي التي ينبغي للمسلم أن يراعيها عند ذبح أضحيته: التسمية والتكبير عند الذبح، والإحسان بالذبح بحدّ الشفرة وراحة الذبيحة والرفق بها، وإضجاعها على جنبها الأيسر متجهة إلى القبلة. والأفضل في توزيع الأضاحي أن تكون أثلاثا: يأكل ثلثًا، ويتصدق بثلث، ويهدي ثلثًا.
فلا تحرموا أنفسكم ثواب الله وأجره في هذه الأيام المباركة، فاستكثروا من الطاعات والأعمال الصالحات، وسلوا الله القبول والتمام.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم لجميع المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، صلى الله عليه على آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله، بعد أيام قليلة تحتفل الأمة الإسلامية بحلول عيد الأضحى المبارك، جعله الله يوم نصر وعز للإسلام والمسلمين.
واعلموا ـ عباد الله ـ أن للعيد آدابًا وأحكامًا ينبغي للمسلم أن يراعيها ويتأدب بها، منها: المحافظة على صلاة العيد مع الجماعة، فقد أمر النبي بالخروج إليها، ولازم النبي عليها، ولم يتركها في عيد من الأعياد، حتى أمر بخروج النساء والعواتق وذوات الخدور والحيَّض، وأمر الحيَّض أن يعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، فينبغي للمسلم أن يحافظ عليها ولا يفرط فيها، فيشهد الصلاة والخير ودعوة المسلمين.
ومن آداب العيد: أن يخرج إلى صلاة العيد على أحسن هيئه متطيبًا لابسًا أحسن الثياب تأسيًا بالنبي ، أما النساء فيخرجن إلى صلاة العيد بغير زينة ولا طيب.
ومن آداب العيد: أن يخرج إلى صلاة العيد ماشيًا، ويخرج من طريق ويرجع مع طريق آخر.
ومن آداب العيد: أن يكثر من التكبير في يوم العيد، قال الإمام الزهري رحمه الله: كان الناس يكبّرون بالعيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا إلى المصلى، وحتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام سكتوا، فإذا كبَر كبَروا.
ومن آداب عيد الأضحى خاصةً: أن لا يأكل شيئًا حتى يصلي العيد، فقد كان النبي لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي.
من آداب العيد: صلة الأرحام وزيارة الأقارب والأصدقاء، فإن صلة الأرحام من أجلّ الأعمال وأفضلها، وقد أخبر النبي أن الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله، وقال : ((من زار أخًا له في الله قيل له: طبت وطاب ممشاك وتبوّأت من الجنة نزلاً)).
وينبغي للمسلم وهو يعيش فرحة العيد مع أهله وأقاربه أن لا ينسى اليتامى والمساكين الذين فقدوا حنان الأبوة وعطفها، فيرعى اليتامى ويعطف على المساكين ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
ألا وصلوا على النبي المصطفى والحبيب المرتضى، فقد أمرنا الله بذلك فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقال : ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا))...
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم على خلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارزقنا القناعة بما آتيتنا ورزقتنا، اللهم وأغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم اجعلنا أفقر الناس إليك، وأغنى الناس بك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى.
اللهم تب علينا توبة نصوحاً لا معصية بعدها اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولسائر المسلمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق