الأحد، مايو 23، 2010

خطبة عن عمر الإنسان

عمر الانسان 9-3-1430هـ

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الوقت أنفس ما أمِر المسلم بحفظه، فالإنسان حياته مراحل، كلما مضى يوم مضت مرحلة من حياته، قال بعض السلف: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا مضى يوم مضى بعضك". فكيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟! كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله وحياته إلى موته؟!
ومن العجب أن الناس يحزنون ويأسفون لنقص دنياهم، ولا تجد أحدًا يحزن لنقص دينه، قال ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: "من عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرة ما ناحوا على خراب الديار وموت الأقارب والأسلاف والتحسر على الأرزاق بذم الزمان وأهله وذكر نكد العيش فيه، وقد رأوا من انهدام الإسلام وشعث الأديان وموت السنن وظهور البدع وارتكاب المعاصي وتقضي العمر في الفارغ الذي لا يجدي والقبيح الذي يوبق ويؤذي، فلا أجد أحدا منهم بكى على دينه، ولا من بكى على فارط عمره، ولا آسى على فائت دهره، وما أرى لذلك سببا إلا قلة مبالاتهم بالأديان وعظم الدنيا في عيونهم" انتهى كلامه رحمه الله.
عباد الله، قد أقسم الله عز وجل بالزمان لعظم شرفه، فأقسم بالليل، وأقسم بالضحى، وأقسم بالنهار، وأقسم بالفجر؛ مما يدل على عظيم شأن الوقت، وقد قال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [سورة العصر]. فأقسم الله بهذا الزمن على أن الناس كلهم في خسارة إلا من آمن وعمل صالحًا، وهذا يتضمن الأمر بالإيمان والعمل الصالح وأن يجتنب العبد ما نهى الله عنه من معاصي الشهوات والشبهات، وفي الحديث الصحيح عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله : ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض)) رواه مسلم. والمراد بالنكتة في الحديث: النقطة، والفتنة كل ما صد عن الطاعة وأوقع في المعصية.
قال ابن القيم رحمه الله: "فشبه عرض الفتن على القلوب شيئًا فشيئًا كعرض عيدان الحصير، وقسم القلوب عند عرضها عليها إلى قسمين: قلب إذا عرضت عليه فتنة أشربها نكتت فيه نكتة سوداء كما يشرب الإسفنج الماء، فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس، وهو معنى قوله: ((كالكوز مجخيًا))، فإذا اسود وانتكس حدث له أمران خطيران: أحدهما اشتباه المعروف عليه بالمنكر، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرًا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة والحق باطلاً والباطل حقًا، والأمر الثاني الذي يحدث له هو تحكيمه لهواه على ما جاء به الرسول وانقياده للهوى واتباعه له. القلب الآخر قلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان وأزهر مصباحه، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها، والفتنة هي فتنة الشهوات والشبهات" انتهى كلامه رحمه الله.
عباد الله، لنحذر المعاصي قبل أن تنتكس القلوب فلا ينكر المنكر ولا يعرف المعروف، عافانا الله من ذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيان والحكمة. أقول ما قد سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله، وتداركوا أوقاتكم بالعمل بالطاعات قبل أن يحال بينكم وبين العمل، قال : ((إذا حملت الجنازة وكانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير ذلك قالت: يا ويلها! أين تذهبون؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها لصعق)).
بكى النخعي عند احتضاره وقال: "أنتظر ملك الموت، لا أدري أيبشرني بالجنة أو النار"، وبكى معاذ عند موته وقال: (إنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر)، وبكى عبد الرحمن بن الأسود عند موته وقال: "وا أسفاه على الصوم والصلاة!" ولم يزل يتلو القرآن حتى مات. وجزع بعضهم عند موته فلما سئل عن ذلك قال: "إنما أبكي على أن يصوم الصائمون ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم، ويذكر الذاكرون ولست فيهم".
عباد الله، هذه حال السلف يبكون شوقًا للعبادة وحزنًا على فراقها، مع أنهم من أشد الناس عبادة في دنياهم وطاعة لربهم، فكيف بحالنا نحن وقد جمعنا بين قلة العمل الصالح وقلة الخوف من الله.
فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة ما دمت في زمن الإمهال، المبادرة المبادرة بالصالحات قبل الارتحال، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، وقبل أن يندم المفرط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرجعة ليعمل صالحًا فلا يستجاب إلى ما سأل، وقبل أن يحول الموت بين المؤمّل والأمل، وقبل أن يصير المرء مرتهنًا بما قدم من عمل.
يا من طلع فجر شيبه بعد بلوغ الأربعين، يا من مضى عليه بعد ذلك عشر سنين حتى بلغ الخمسين، يا من هو في معترك المنايا بين الستين والسبعين، ما تنتظر إلا أن يأتيك اليقين؟! يا من ذنوبه كثرت وعظمت، أما تستحيي من الكرام الكاتبين؟! بل أما تستحيي من رب العالمين؟! يا من أظلم قلبه وقسا، أما آن لقلبك أن يستنير أو يلين؟! قال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16].
عباد الله : صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال عز من قائل {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم على خلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارزقنا القناعة بما آتيتنا ورزقتنا، اللهم وأغننا بحلالك عن حرامك، وبك عمن سواك، اللهم اجعلنا أفقر الناس إليك، وأغنى الناس بك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى.
اللهم تب علينا توبة نصوحاً لا معصية بعدها اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولسائر المسلمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق