السبت، مايو 22، 2010

خطبة زين للناس حب الشهوات

زين للناس حب الشهوات
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
يقول الله عزوجل: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} في الآية عباد الله بيان من الله لما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من متاع، وأنواع الملاذ التي بها يتعلقون، وبها أحياناً يفتنون وعن طريقها يغنمون وأحياناً يغرمون، فهذه الملاذ تختلف باختلاف أحوال الناس تجاهها. فهي لفئة مأثم ومغرم، ولفئة أخرى نعمة ومغنم.
فإن قلت كيف يكون ذلك والمتاع هو المتاع، والناس هم الناس؟ أجبت بأن الهدف يختلف من شخص لآخر، ومن فئة لأخرى. فالذين يتعاملون مع ملاذ الحياة على أنها هي المبدأ والنهاية، هؤلاء غارمون لأن الدنيا بملاذها لا تستحق أن ينقطع الإنسان لها، وأن يصب فيها كل جهده وأن يوليها كل عنايته بعيداً عن طاعة الله وامتثال أمره واجتنابه نهيه، وهل الدنيا إلا وسيلة إلى الآخرة ، ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يعطه الله إلا ما كتب له.
وأما الذين يستعينون بهذا المتاع وينصرفون بها إلى الجنة ورضوان الله فهؤلاء يحققون السعادة لأنفسهم في الدنيا ويضمن لهم الله السعادة الحقة يوم القيامة. ومن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة.
عباد الله.. في الآية السالفة بدأ الله هذا المتاع بالنساء لأن النساء الفتنة بهن أشد، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). وتنقلب المرأة أحياناً عدواً للإنسان، إذا كانت تلهيه عن طاعة الله، أو تدعوه إلى ما حرم الله، أو تعوقه عن الخير ، ولهذا حذر المولى قال الله عزوجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}.
وتكون المرأة رحمة إذا كان القصد منها إعفاف الفرج، وكثرة الولد وكانت مثالاً للطاعة وخير عون لزوجها على ذلك،بل هو خير المتاع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله) رواه مسلم.
وفي صحيح البخاري: (إن خير هذه الأمة كان أكثرها نساءً) ، وتقول عائشة رضي الله عنه : (لم يكن أحب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلى الخيل) ، وفي رواية (من الخيل إلا النساء) .
وإذا كان هذا في النساء فحب البنين تارة يكون للتفاخر ، فهو داخل في الفتنة كما قال سبحانه: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} وتارة يكون لتكثير النسل، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ممن يعبد الله وحده لا شريك له، وممن يسدون الثغور، وينفع الله بهم البلاد والعباد فهذا محمود ممدوح مطلوب، كما صلى الله عليه وسلم : (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).
ومن دعاء عباد الرحمن: { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }.
وقد قيل: إن في النساء فتنتين، وفي الأولاد فتنة واحدة، فأما اللتان في النساء فإحداهما تؤدي إلى قطع الرحم، لأن المرأة أحياناً تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأخوات، أو من ذوي القرابات بشكل عام، والثانية يبتلى بسببها بجمع المال من الحلال والحرام، وأما البنون فالفتنة معهم واحدة، وهي جمع المال لأجلهم.
وفي الحديث:( إن الولد مبخلة مجبنة ).
عباد الله.. كذلك حب المال تارة يكون للفخر والخيلاء، والتكبر على الضعفاء، والتكبر على الفقراء،ويؤدي إلى الإلهاء عن أمر الله عزوجل أو الاستعانة به على معصيته فهذا مذموم، وتارة يكون للنفقة في القرابات، وصلة الأرحام ، ووجوه البر والطاعات، فهذا ممدوح عليه شرعاً.
والناس بين هذا وذاك، فالمال يرفع أقواماً في درجات الجنان،هؤلاء الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم : (لا حسد إلا في اثنتين وذكر منهم رجلاً آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار) .
وتارة يستعبد الإنسان ويذله ويتعسه ويشغله، وهؤلاء هم الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس وانتكس) .
فإياكم معاشر المسلمين أن تستعبدكم أموالكم أو تذلكم تجارتكم والحق أنه ليس لكم منها إلا ما قدمتم لآخرتكم.
وفي صحيح مسلم:( يقول ابن آدم مالى مالى . وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت).
ويقول صلى الله عليه وسلم كما في سنن النسائي : (ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب من ماله، مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت) .
أما الخيل المسمومة وهي الراعية الحسان أو ذوات الغر والتحجيل فهي على ثلاثة أقسام، فإن ربطها صاحبها في سبيل الله متى احتاج إليها غزا عليها فهي مغنم ويؤجر عليها صاحبها، وإن ربطها فخراً وعداء لأهل الإسلام فهذه على صاحبها وزر، وإن ربطها للتعفف واقتناء نسلها، ولم ينس حق الله فيها فهي لصاحبها ستر.
ومثل ذلك يقال في الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم .
وكذلك أيضاً يقال بالنسبة للزروع والحرث فإن كانت عوناً على الطاعة فمغنم وإن كانت سبباً للمعصية والصد عن الخير فمغرم.
واقع الناس يؤكد ارتباطهم ومحبتهم لهذه الزينة كما قال الله عزوجل: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} .
عباد الله.. محبة هذه الأشياء لا يلام عليها مادامت في الحبة الطبيعية؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر ذلك وأقره ، لكن إذا غلا المسلم في محبة هذه الأشياء وبالغ فيها بأن يقدمها على طاعة الله عزوجل ويعصي الله عزوجل من أجلها فقد ذكر العلماء أن هذا يكون نوعاً من الشرك، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما سلف : (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة) .
إذا كان هذا هو متاع الدنيا، فما هو متاع الآخرة، بينه الله عزوجل بقوله بعد هذه الأيةمباشرة { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} .
فهذا هو المتاع الحقيقي، وهذه هي الزينة الباقية، بساتين تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار ، أنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وأما الأزواج فهناك الأزواج المطهرة من الدنس والأذى والحيض والنفاس وسيء الأخلاق.
وفوق هذا وذاك رضوان الله يحل بهم فلا يسخط عليهم أبداً، وحيثما كانوا في النعيم فلا يتحولون عنهم أبداً.
نسأل الله عزوجل بمنه وكرمه أن يجعلنا من أهل الجنة وأن يوفقنا لأسباب مراضيه وأن يجنبنا أسباب مساخيطه .
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وفق من شاء لطاعته، وأعان أولياءه على استخدام زينة الحياة الدنيا في الوصول إلى الزينة الحقيقية الكبرى،وافتتن آخرون فأشغلتهم الدنيا عن الدين، وصرفتهم الحياة الفانية عن التأمل والمسارعة للباقية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آ له وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله..انظروا في حياتكم، واستعدوا للقاء ربكم، واحذروا الفتنة فيما حولكم، وحيث قد علمتم زينة الحياة الدنيا ووزينة الآخرة والفرق بينهما كبير، فإن لمتاع الحياة الآخرة وزينتها الباقية ثمناً يسير على من يسره الله عليه، وقد بين الله عزوجل هذا الثمن في الآية الثالثة فقال سبحانه: { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} .
هذه صفات الذين يرثون زينة الآخرة ومتاعها الباقي { الصَّابِرِينَ } أي الصابرون على طاعة الله، الصابرون على امتثال أوامره، الصابرون عن معاصي الله ، الصابرون على أقدار الله المؤلمة.
ولا شك عباد الله أن الطاعات تحتاج إلى الصبر والمصابرة والمجاهدة للنفس، وترويض حتى تألف الطاعة وتحبها وتداوم عليها، وأن المحرمات أحياناً تلتقي مع شهوة النفس وحظوظ الهوى ولهذا يحتاج المرء الذي يتطلع إلى الجنان أن يكبح جماح النفس ويلزمها الطريق وأن يصبر على مرارة الدواء، ولولا الحاجة للصبر على الطاعات والصبر عن المحرمات لتساوى الناس في منازلهم.
قال المفسرون: وفائدة التمثل بأنواع الزينة في الحياة الدنيا أن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره، وبالصبر عليها، وأن النار لا منجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها.
وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).
وأما قوله تعالى{ َالصَّادِقِينَ } فهم الذين صدقوا بإيمانهم، فليس إيمانهم بالتمني ولا بالتحلي، ولكن شيء وقر في النفوس فانبعث له الجوارح مصدقة.
{ وَالْقَانِتِينَ } .
هم أهل الطاعة والخضوع، { وَالْمُنْفِقِينَ } الذين ينفقون من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات، وصلة الأرحام والقربات، وسد الخلات، ومواساة ذوي الحاجات .
وقوله: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} هذا دليل على فضيلة الاستغفار بشكل عام ولكنه في وقت الأسحار له شأن آخر، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فاستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟) .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي من الليل ثم يقول: يا نافع هل جاء السحر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح.
ونقل عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه إذا كان في السحر يقول: رب أمرتني فأطعتك، وهذا سحر فاغفر لي. آخذا من الحديث السابق.
عباد الله.. تزودوا من دنياكم لآخرتكم ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، وليس بغائب عنكم أن الدنيا ظل زائل، وهي حلو خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون ، وبأي واد ترعون وأي طريق تسلكون؟ ويا ويح من عض أصابع الندامة والروح تبلغ الحلقوم، وهيهات أن يعاد المرء إلى الحياة الدنيا بعد أن خرج منها وأعطي من المهلة ما هو كاف للامتحان، ومهما كانت ذنوبك وخطاياك فقف باب ربك سائلاً ومستغفراً في الأسحار وغيرها.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجعلنا من المؤمنين الصادقين، الصابيرين المنفقين القانتين المستغفرين بالأسحار.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وارض اللهم عن صحابته أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق