الأحد، مايو 23، 2010

خطبة عن الستر

الستر 16-11-1429هـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمد عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
ثم أما بعد يا عباد الله اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، ومن عرى الإسلام تطبيق تعاليمه والإمتثال لها بالسمع والطاعة لله ولرسوله يقوله سبحانه { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}
ألا وإن من طاعة الله ورسوله عدم إشاعة الرذيلة بين المسلمين، وتطبيق مثل عالي رفيع ألا وهو الستر. نعم الستر، فيوم أن يحل الستر بين المسلمين تدوم أخلاقيات فاضلة بيننا معاشر المسلمين وتسود الفضيلة وحمل الناس على محمل السلامة والصدق والظن الحسن وعدم ترك فرصة للشيطان، يوم أن يحل بيننا معاشر المسلمين الستر نكون قد نعمنا بجزاء عظيم دلنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يسْتُرُ عَبْدٌ عبْداً فِي الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرهُ اللَّه يَوْمَ الْقيامَةِ » رواه مسلم .
وعن ابن عمرَ رضي اللَّهُ عنهما أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «المسلمُ أَخــو المسلم لا يَظلِمُه ولا يُسْلِمُهُ . ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومنْ فَرَّجَ عنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عنه بها كُرْبةً من كُرَبِ يومَ القيامةِ ، ومن سَتَرَ مُسْلماً سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ » متفق عليه .
من منا لم يعمل ذنبناً قط، إلا أن يشاء الله. أليس كل صاحب ذنب يريد أن يستره الله ولا يفضحه بين الخلائق.
إذا نداء لمن يريد أن يستر الله عليه في الدنيا والآخرة امتثل الستر على المسلمين حتى تنال ستر الله في الأخرة.
عباد الله : ما معنى الستر في خطبتنا هذه . إن معناه وما نقصده هنا أن من ارتكب معصية فعليه أن يستر على نفسه ولا يخبر بها أحدا للحديث241- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمِعت رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ المُجاهرينَ ، وإِنَّ مِن المُجاهرةِ أَن يعمَلَ الرَّجُلُ بالليلِ عمَلاً ، ثُمَّ يُصْبحَ وَقَدْ سَتَرهُ اللَّه عَلَيْهِ فَيقُولُ : يَا فلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْترهُ ربُّهُ ، ويُصْبحُ يَكْشفُ سِتْرَ اللَّه » متفق عليه .
والمعنى الآخر من رأى مسلماً قد عصا الله فعليه أن يستر أخاه المسلم لا أن يفضحه فإذا فعل ذلك الذي هو الستر على أخيه المسلم او المسلمة ولم يفضح نال بإذن الله الستر من الله.
عباد الله : دعا الشارع الحكيم إلى الستر وعدم الفضيحة في أكثر من جانب ولذا نجد أن الإمام النووي عنون في أحد موضوعاته بقوله
باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة
واستدل بقول الله سبحانه وتعالى:{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} .
ومن هذا المنطلق يقال الآتي.
- يجب ستر عورات المسلمين
- ويقال النهي عن اشاعة عورات المسلمين سواء كانوا جماعات أو أفرادا
- كما يقال إذا لم يكن هناك ضرورة من نشر خبر ما فيه عندم ستر أن لا يجوز، أما إذا كان في نشر الخبر ضرورة للتحذير منه فإنه يجوز ذلك.

قال بعض العلماء أن من تحدث بين الناس بقوله رأيت المنكر الفلاني في مكان كذا ورأيت كلك منكرا هناك وهناك قال أن هذا لا يجوز ودخل تحت من يريد إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا مستدلا بقوله تعالى { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} .
عباد الله : الشارع الحكيم يوم أن دعى للستر دعا إليه لمعرفته الكاملة بمضار وشناعة الفضيحة ورتب على ذلك جزاء عظيما ضمن عدة أعمال فعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنهُ ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « من نَفَّس عن مؤمن كُرْبة منْ كُرب الدُّنْيا ، نفَّس اللَّه عنْه كُرْبة منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ ، ومنْ يسَّرَ على مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْه في الدُّنْيَا والآخِرةِ ، ومنْ سَتَر مُسْلِماً سَترهُ اللَّه فِي الدنْيا والآخرة ، واللَّه فِي عوْنِ العبْد ما كانَ العبْدُ في عوْن أَخيهِ ، ومنْ سلك طَريقاً يلْتَمسُ فيهِ عِلْماً سهَّل اللَّه لهُ به طريقاً إلى الجنَّة . وما اجْتَمَعَ قوْمٌ فِي بيْتٍ منْ بُيُوتِ اللَّه تعالَى ، يتْلُون كِتَابَ اللَّه ، ويَتَدارسُونهُ بيْنَهُمْ إلاَّ نَزَلَتْ عليهم السَّكِينةُ ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمةُ ، وحفَّتْهُمُ الملائكَةُ ، وذكَرهُمُ اللَّه فيمَنْ عنده . ومنْ بَطَّأَ به عَملُهُ لمْ يُسرعْ به نَسَبُهُ » رواه مسلم .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وهدي المصطفى الأمين ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم قد قلت ما سمعتم،فإن كان صوابا فمن الله وإن كان من خطأ فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله العليِّ الأعلى، {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:6، 7]، أحمد ربي وأشكره على ما أعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له له الأسماء الحسنى، وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه البررة الأتقياء.

ثم أما بعد عباد الله : لنتأمل أحبتي حديثا عظيما عن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الله عليه جزاء كلنا يريده يريد ذلك الجزاء الذي هو الستر في الآخرة.
عن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « يُدْنَى المُؤْمِنُ يَومَ القِيَامَةِ مِنُ رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ ، فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِه ، فيقولُ: أَتَعرفُ ذنبَ كَذا؟ أَتَعرفُ ذَنبَ كَذَا ؟ فيقول : رَبِّ أَعْرِفُ ، قال : فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيكَ في الدُّنيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ ، فَيُعطَى صَحِيفَةَ حسَنَاته » متفقٌ عليه .
الله أكبر ما أعظم ربنا ما أحلم ربنا علينا ما ألطفه بنا ما أكرمه الحليم العظيم الكريم الرؤوف الرحيم بنا.
أرأيتم جزاء المؤمن يوم القيامة حيث أنه يدنى من ربه سبحانه وتعالى ويقرره بذنوبه ويعرفه بها ثم يقول الله سبحانه لعبده المؤمن قد سترتها عليك في الدنيا فأنا أسترها عليك اليوم . الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله فنسأل الله أن يجعلنا من عباده المؤمنين الذين ستر عليهم في الدنيا ويستر علينا في الآخرة...
عباد الله : تواصوا يرحمكم الله بالستر وتعاونوا على ستر عيوب ومعاصي اخوانكم المسلمين والمسلمات وعليكم بنصيحة من رأيتموه قد عمل السيئات سراً قدر المستطاع فإن أبى صاحب الذنب إلا المجاهرة فما علينا إلا مخاطبة الجهات المعنية بإنكار المنكر بكل ستر وعدم فضيحة.
عباد الله :
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم على خلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارزقنا القناعة بما آتيتنا ورزقتنا، اللهم وأغننا بحلالك عن حرامك، وبك عمن سواك، اللهم اجعلنا أفقر الناس إليك، وأغنى الناس بك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى.
اللهم تب علينا توبة نصوحاً لا معصية بعدها اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولسائر المسلمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق