الأحد، مايو 23، 2010

خطبة عن ستر العورة

ستر العورة 13- 5-1430
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله، لقد جاء الإسلام بتكريم بني الإنسان في مجالات متعددة، كان من أبرزها أن أكرمه الله بأمره بستر عورته وسمى ذلك زينة، ونهاه عن كشف العورة وسمى الكشف عن العورة فتنة، فقال عز من قائل: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ، وقال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ . لقد نزلت هذه الآيات في العرب أهل الجاهلية الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، فأنكر الله عليهم هذه العادة القبيحة الذميمة.
لقد جعل الله ستر العورة متلازما مع التقوى فقال جل شأنه: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ . فاللباس لباسان: لباس للأجساد ولباس للقلوب والبواطن، وما أكثر اهتمام الناس بلباس الأجساد على العري الفاضح الذي فيه، وما أشد إهمالهم للباس البواطن، وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ . وكل من لديه شعور بتقوى الله والحياء منه فإنه ينبثق منه الشعور بالحياء واستقباح كشف العورة، والذي لا يتقي الله ولا يستحي منه لا يهمّه أن يتعرى وأن يدعَى إلى العري وأن يجيب؛ لانعدامه من التقوى والحياء.
عباد الله، إن التجرد عن ستر العورة ردّة إلى الحيوانية وعودة إلى الحياة الجاهلية البدائية، وإن من أعز ما يملكه الإنسان الحياء والعفاف والشرف؛ ولهذا جاءت الشريعة المطهرة بستر العورة، وستر العورة وقاية لأنه يساعد على غض البصر الذي أمر الله به، ولهذا ذكر الله هذا بعد هذا فقال سبحانه: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ الآية. فتأمل ـ يا عبد الله ـ كيف جعل الله ستر العورة وراء الأمر بغض البصر دلالة على أن ستر العورة يساعد على غض البصر، وأنه إذا أردنا تحقيق غض البصر للرجال والنساء فلا بد من ستر العورات وحفظها.
هذا بعض ما ورد في القرآن الكريم من الأمر بستر العورة، أما السنة ففيها الكثير، قال رسول الله : ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد)) رواه مسلم، وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك))، قلت: يا رسول الله، فالرجل يكون مع الرجل؟ قال: ((إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل))، قلت: الرجل يكون خاليا؟ قال: ((فالله أحق أن يستحيى منه)) رواه أحمد بسند حسن.
فأين هذا الحياء والستر ممن يجتمعون في حمامات السونا والبخار ومن يجتمعون في المسابح والنوادي وقد كشفوا عن عوراتهم من أفخاذ ونحوها ولربما أشد من ذلك وأعظم؟! نعوذ بالله من مسخ الفطر وقلة الحياء والأدب. قال رسول الله : ((إياكم والتعري؛ فإنّ معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم)) يعني الملائكة.
بل قد جاء التوجيه النبوي بستر العورة وحجبها ليس عن أعين الإنس فحسب، وإنما حتى عن أعين الجن، فقال النبي في الحديث الذي رواه ابن ماجة والترمذي وصححه الألباني عن علي رضي الله عنه: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الكنيف أن يقول: بسم الله)).
أيها الإخوة، من الأمور التي بينتها الشريعة حدود العورة؛ حتى يعرف الإنسان ما يجب عليه أن يستر وما ينبغي أن يستر، فعورة الرجل عند جمهور العلماء ما بين السرة والركبة والفخذ عورة كما قال النبي : ((الفخذ عورة))، ومر النبي عليه السلام على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال: ((يا معمر، غطّ فخذك؛ فإن الفخذ عورة)).
أما المرأة فإن جميع بدن الحرة عورة على الصحيح من أقوال أهل العلم،
عباد الله: يقول الله تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ، وهو نداء لأزواج النبي وبناته ونساء المؤمنين، فدل هذا الأمر على وجوب ستر الوجه بإرخاء الجلباب، وقال في نفس الآية: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ، وكيف لا تعرف المرأة إلا إذا سترت وجهها، لأنها لو كشفت وجهها عرفت.
فالمرأة جميع بدنها عورة لأنها كلها عورة؛ لقول رسول الله : ((المرأة كلها عورة))، ولم يستثن شيئا، بل قال : ((المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)). وعلى هذا فلا يجوز أن يظهر من المرأة للأجانب شييء من جسدها ولا حتى قدمها أو يدها، بل يجب عليها أن تغطي جميع جسدها.
أيها المسلمون، في هذا العصر تأملوا كم خالفت البشرية أمر الله ورسوله بستر العورة، كشفوا العورات على السواحل والشواطئ وفي المنتجعات وفي الأماكن التي يسمونها سياحية، كشفوا العورات في الأسواق ومشاغل الخياطة والمطاعم العائلية، وأصبح كشف العورات من سيما البهائم البشرية في هذا الزمان، حتى صار هناك في بعض المجتمعات الغربية أندية للعراة والعري، فرجعوا إلى حياة البهائم رغم ما هم عليه من التقدم الصناعي والزراعي والتجاري، ولكنهم فيما يتعلق بالحياء والإيمان فهم أدنى مستوى من البهائم.
وإن مما يندى له الجبين أن من المسلمين اليوم من يقلّدون الكفار ويسيرون على نهجهم في كشف العورات إلا من رحم الله، فترى بعض الرجال من المسلمين اليوم يلبسون هذه السراويل القصيرة (الشورت)، ويمارسون لعبة الجري في الشوارع، وآخرون يجلسون في المجالس وليس تحت ثيابهم سراويل طويلة، فيرفع أحدهم رجلا على رجل ونحو ذلك فتنكشف أفخاذهم ويجاهرون بذلك.
أما كشف العورات ومناظر الخزي والعار لدى النساء فحدث ولا حرج، فمن ذلك الملابس الفاضحة في الأفراح، والعياذ بالله.
قال رسول الله : ((سيكون آخر أمتي نساء كاسيات عاريات ـ بمعنى تستر بعض بدنها وتكشف بعضه، وقيل: تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها ـ على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات)) صحيح، وفي رواية لمسلم: ((لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)).
هكذا تحرص الشريعة ـ أيها المسلمون ـ على ستر العورات وترهّب من كشفها وإبدائها، فالمرأة المسلمة مطالبة بستر جسدها كله أمام الأجانب، بل وحتى وهي في الصلاة مع النساء لا يجوز لها أن يظهر منها إلا وجهها وكفيها، فجميع بدنها وهي في الصلاة عورة عدا الوجه والكفين، فتغطي قدميها، ويكون لباسها ساترا عاما لا يصف ولا يجسم.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين والمسلمات في كل مكان يا حي يا قيوم.
أقول ما قد سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم...

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وكفى بها نعمة، والحمد لله الذي أنعم علينا بأن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي ما من خير إلا ودلنا عليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، والتزموا نهج دينكم وسنة نبيكم؛ تفلحوا وتفوزوا وترشدوا وتنجحوا.
عباد الله، ها نحن نسمع كل صباح ما يندى له جبين المؤمن الحر الغيور من قضايا ومصائب وحوادث وفتن من خطف للفتيات ومعاكسات وتحرشات وابتزاز وانتهاكات وجرائم وموبقات، نسأل الله أن يسترنا وإياكم في أعراضنا وأهلينا.
ألا وإن من أعظم الأسباب لهذه الجرائم أو الفتن التساهل ـ أيها الآباء والأولياء ـ في حجاب النساء والفتيات وخروجهن بلا محرم أو ولي، ومصداق ذلك قول أحكم الحاكمين رب العالمين سبحانه وتعالى حيث يقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ . إن الحجاب والستر والحياء والحشمة والعفاف والصيانة مانع لتعرض المرأة للأذى، بل إنك لا تكاد تجد امرأة أو فتاة متحجّبة مستترة عفيفة تتعرّض لأذى أو يجرؤ أحد من الساقطين أن يلمزها أو يؤذيها إلا أن يكون منها سبب وتفريط ودعوة وسفور.
فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ في أعراضكم وأهليكم، واعلموا أنكم مسؤولون، ((فكلكم راع وكل مسؤول عن رعيته))، فالزوج راع وهو مسؤول عن زوجته، والأب راع وهو مسؤول عن أهله وبناته، والأخ راع وهو مسؤول عن أمه وأخواته، وكلكم راع وكلٌّ مسؤول من الله جل جلاله عن رعيته: أحفظ أم ضيع؟
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي اليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة من كل شر.
عباد الله : صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال عز من قائل {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم على خلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارزقنا القناعة بما آتيتنا ورزقتنا، اللهم وأغننا بحلالك عن حرامك، وبك عمن سواك، اللهم اجعلنا أفقر الناس إليك، وأغنى الناس بك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى.
اللهم تب علينا توبة نصوحاً لا معصية بعدها اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولسائر المسلمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق