الأحد، مايو 23، 2010

خطبة عن نوح عليه ا لسلام

قصة نوح عليه السلام دروس وعبر 15-4-1430
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله واعرفوا ما منّ به عليكم من النعم، أرسل إليكم خير الرسل، وأنزل عليكم أفضل الكتب، وجعلكم خير أمة أخرجت للناس. وإن هذا القرآن الذي أنزله عبرة للمعتبرين وذكرى للمتذكرين بين فيه سبحانه أحكام الدين وسنن المرسلين وقصص الماضين، كل ذلك ليعتبر أولو الألباب ويتذكروا، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ .
وإن في النظر في سير الماضين لتسلية للنفس وتثبيتًا لها وتقوية للقلب وإسعادًا له، ينظر المسلم في تاريخ الأنبياء والصالحين فيرى أنهم قد ابتلوا وأوذوا حتى أتاهم نَصرٌ بعد تمحيصهم وتنقيتهم، فيطمئن قلبه، ويقوى جنانه، ويعلم أنه ليس وحيدًا في هذا الطريق، وأن الوصول إلى المقصود دونه قطع المفاوز كما قطعها من قد سبق.
عباد الله، لقد أكثر الله في القرآن من القصص تثبيتًا لقلب النبي ، وأمر رسوله أن يقص القصص ليتفكر فيها كفار قريش، لعلهم أن يتوبوا إلى ربهم ويعودوا إلى رشدهم: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ، بل لقد أخبر الله أنه لم يقص عليه جميع قصص الأنبياء فقال: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ .
أيها المسلمون، قصص الأنبياء في القرآن كثيرة، وكل منها لها فوائدها وأحكامها، بينهم من طال انتظاره واشتدّ أذى قومه له، ومنهم من قتل، ومنهم من آمن به قومه في آخر الأمر، ومنهم من لم يؤمن به أحد، يقول النبي : ((عرضت علي الأمم فرأيت النبيّ ومعه الرهط، والنبيّ ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد)). الله أكبر! نبي يبعثه الله في أمة من الأمم لم يؤمن به واحد منهم.
وأول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض نبي الله نوح، لقي من الأذى من قومه ما لقي، وصبر على أذى قومه صبرًا عظيمًا، يدعو قومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن النار إلى الجنة، فلم يلقَ مجيبًا، بل لقي سخرية وتكذيبًا.
دعاهم إلى توحيد الله، وهذه دعوة الرسل كلهم: يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، لكن من لم يجعل الله له نورًا فما له من نور. جادل هؤلاء عن باطلهم، واتهموا نبيهم بالضلال، وأنه ليس له فضل عليهم ولم يتبعه إلا ضعاف القوم، وهكذا كل قوم يقولون لنبيهم، أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ . يدعو النبي قومه بالتي هي أحسن، فيردون عليه بالسوء، يتودد إليهم ويلين معهم، ولكن قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة.
لبث نبي الله نوح في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، فما استجاب له إلا القليل، وأكثر ما قيل في عدد المؤمنين أنهم ثمانون نفسًا، كل هذه المدة ولم يؤمن به إلا النزر اليسير، بل إن زوجته وابنه لم يؤمنا به، فما أشدَّ صبر الرسل! وما أعظم أثرهم على الناس!
ولما طال عليه الزمن أخبره الله أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وأمره بصنع الفلك، فبدؤوا يمرون عليه ويسخرون منه على هذا العمل، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ .
ولما صنع الفلك قال الله عنه: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ، وقال: رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَ فَاجِرًا كَفَّارًا الآية، قال الله تعالى: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ أي: نراها ونحفظها ثوابًا لنوح لأنه كفر به قومه، وأهلك الله قوم نوح، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، استجابة لنبيه، وتصديقًا لوعده، وغيرة على أوليائه، إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ .
وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: ((لو رحم الله من قوم نوح أحدًا لرحم أم الصبي، لما نبع الماء وصار في السكك خشيت عليه وكانت تحبه حبًا شديدًا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا، فلو رحم الله أحدًا لرحم أم الصبي)).
ولما أغرق الله الكفار وانتهى عذابهم قال: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، فهذا أثر الإيمان، وتلك عاقبة الكفر، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون.
هذه قصة نوح وقومه كما قصها الله في كتابه وعلى لسان نبيه .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله شرح صدور المؤمنين للإيمان بفضله ورحمته، وأضل من شاء من عباده بعدله وحكمته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل للمتقين عقبى الدار، ولأهل الكفر والضلال الخزي والبوار، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم القرار.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعتبروا بما قص الله عليكم، فإنما قص الله علينا هذه القصص لنتعظ بها، ولنحذر مما وقعوا به، فيصيبنا ما أصابهم.
في قصة نوح من العبر صبر الداعية على الأذى وتحمل المشاق في تبليغ الدعوة ولو طال الأمد، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَ خَمْسِينَ عَامًا ، ما كَلَّ نوح ولا ملَّ إلى أن أخبره الله أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فحينئذ دعا على قومه.
ومما ينبغي للداعية أن ينظر فيه أن لا ييأس ويقول: هؤلاء قوم لا خير فيهم، فيترك دعوتهم، بل يعيد ويبدئ فيهم، فيكثر النصح لهم، فليس هو أول من لم تقبل دعوته، فَلَيَأتين بعض الأنبياء يوم القيامة ولم يستجب له أحد.
ولا يغضب الداعي والناصح والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عند عدم الاستجابة له، فإنما عليه البلاغ، وهداية الناس إلى الله، لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ، وليثق المسلم بنصر الله، ويطمئن إلى وعد الله، فالله لا يخلف الميعاد.
وفي الحديث عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله وهو متوسّد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فقال: ((قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون)) رواه البخاري.
فاتقوا الله عباد الله، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صَلِّ وسَلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلَفائه الرّاشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارزقنا القناعة بما آتيتنا ورزقتنا، اللهم وأغننا بحلالك عن حرامك، وبك عمن سواك، اللهم اجعلنا أفقر الناس إليك، وأغنى الناس بك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى.
اللهم تب علينا توبة نصوحاً لا معصية بعدها اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولسائر المسلمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق